علي الخزيم
الاعتزاز باللغة العربية لغة القرآن؛ هو اعتزاز بِهُويتنا وعروبتنا وديننا، لا يُجادلنا به ولا ينافسنا عليه أحد، وحين نُعلن هذا الاعتزاز والفَخَار السامي الراقي بين الأمم على المنابر وبالمحافل الدولية فلأننا (عرباً ومسلمين) نحمي أصالة لغتنا وحدود ديننا؛ ونذود عن جماليات مفردات لغة الضاد أجمل لغات العالم نطقاً وأفصحها بياناً وأغزرها بحاراً وأعجزها نظماً وجوهراً وتلميحاً وتشبيهاً واستعارة، وفيها ومنها أعظم ما قالت البشرية من نَظْم ونثر تَعْجز عن أمثاله كل لغات الأرض إنساً وجنَّاً، وحين نؤمن بهذا كلّه فإننا نَصْدر عن حقيقة وواقعٍ مشهودٍ مُعاشٍ ملموسٍ، ولا نتقصَّد أو نعادي بما نؤمن به أحداً من شعوب الأرض قرب أو بَعُد، إنما هي أصالتنا لغة أجدادنا وأنعم بها وأكرم من لغة صانها الله سبحانه بكتابه العزيز، ولا تجد قوماً أو شعباً يُقلل من شأن لسانه وكلامه ولغته، ومن أخذ ببعض مسارب هذا التَّوجّه إنما يفعله ربما لأغراض تجارية وقد تكون دعائية ترويجية لمنتج أو بضاعة، وهو وإن كان كذلك فهو ليس بالأمر المحمود بكل أحواله ومقاصده.
وقرأت خبراً يقول - إن صَحَّت الرواية - إن سوق التمور بمدينة بريدة بمنطقة القصيم سيُطلَق عليه من الموسم القابل (كرنفال التمور) بدلاً من (مهرجان)! وكلتا المُفردتين لا تمتَّان للغة العرب بصلة وإن زعم البعض أن هذه أو تلك مُعرَّبة ويجوز استخدامها، والحديث هنا لا يتعلق بالحرام والحلال إنما بالحفاظ على لغتنا الجميلة التي تَعنى هُويتنا وأصالتنا نكررها بكل مناسبة وموقف، فكلمة مهرجان فارسية من معانيها (الشمس والنور، والحياة والروح) فهي عندهم تعني احتفالية بطقوس دينية قد تكون وثنية، وكلمة (كرنفال Carnival) تعني احتفالات ومسيرات رقص وغناء ولهو موسمية لدى المسيحيين، وقرأت أن كنائسَ بدول كثيرة ترفضها إذ إنها ترمز للتجرد من القيم والتحرر غير المنضبط، وعليه فإنهما ليستا البديل الأفضل عن أي مُسمَّى عربي أصيل مهما اختلفنا عليه، يكفي أنه عربي، وحبذا إن كان من بيئتنا العربية أو قل السعودية، وكمال الفخر حين يكون من بيئة ومجتمع وتراث وثقافة القصيم وأهلها الكرام، ما المانع؟! حتى وإن كان المقصد الجذب والإشهار والترويج لسوق التمور ببريدة فإني أجزم أن أهل اللغة - وما أكثرهم بالقصيم - سيُبادرون باستنباط واستحضار الاسم والعنوان الأميز والأطيب والأنسب لسوقهم العامر بعون الله وتوفيقه، اطرحوا الفكرة أمام المُتخصّصين المهتمين والمتذوقين للغتنا العربية وستجدون بإذن الله ما يسركم.
مما يوقع بالأخطاء اللغوية بمجال الدعاية والإعلانات الترويجية هو أن كثيراً من القائمين على شركات الإعلان والتسويق غير ضليعين باللغة العربية وقواعدها واشتقاقاتها، وهذا ليس بالمُعيب كثيراً، إنما الخطأ هو عدم الرجوع بنصوصهم الإعلانية لأهل الرأي والمشورة بهذا المجال للظهور بالمظهر والقيمة اللائقة لمنتجهم وبضاعتهم ولتكون أكثر قبولاً وتقديراً لدى الجمهور المستهلك، أتوجه كغيري ممَّن شعروا بعدم الارتياح لهذه التسمية إلى المسؤولين والمُنظّمين لسوق التمر بمدينة بريدة بأن يعيدوا النظر واختيار اسم يليق بالنخلة والتمور وبريدة والقصيم يكون ذا مدلول عربي قويم جاذب مُشوّق.