إبراهيم بن سعد الماجد
هل هناك رحيل جميل؟!
نعم، هناك رحيل جميل على الرغم من مرارة الرحيل!
جميعنا مؤمنون بأن {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، وأن الموت لا يمكن أن يتقدم ساعة ولا يتأخر {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} نحزن ونبكي، لكننا لا نجزع، بل نحمد الله ونثني عليه الذي جعلنا به مؤمنون، وعلى شريعة الإسلام سائرون، ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم متبعون. ولا نقول إلا ما يرضي الرب سبحانه وتعالى {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
في مساء كدّر صفاءه رحيل زوجة أخي الغالي، بل شقيق الروح أحمد بن عبدالله التويجري المرأة ذات السمعة الأجمل والأنقى حصة بن عبدالرحمن الثنيان، تلك الزوجة البارة لكل من له علاقة بزوجها، قريب كان أو بعيد، عرفتها زوجتي فكانت لها الصديقة الأغلى على الرغم من تباعد الأرض ولكنها القلوب، ولذا كان رحيلها كالصاعقة التي أصابت زوجتي بصدمة لولا الإيمان لكان الأثر مدويًا.
عرفت أم عبدالله التويجري من خلال سيرتها التي كان أخي (زوجها) يذكرها بها كلما مرّ ذكر لمواقف جميلة من الزوجات، فكان يذكر لي جميل برها وجميل صلتها وإحسانها بوالديه - رحمهم الله - ولذا كان الجميع متفق على أنها المرأة الصالحة المصلحة البارة.
ذرفت عينيّ واعتصر قلبي عند تلقي النبأ، ولكن سرعان ما سريّ عني وسررت كثيرًا لما قص علي أخي زوجها كيف كان رحيلها، كيف ختمت ليلتها قُبيل رحيلها، بصلاة تهجد عُجلى على غير عادتها، وكأنها تريد أن تسجد لله أكثر من سجدة قبل أن ترحل، كيف كانت تطلب من الأطباء وهي ما زالت في منزلها أن ينتظروا قليلاً لعلها تستطيع أن تصلي راتبة الفجر وصلاة الفجر، وكان لها أن صلت، كيف كانت تفيق بين لحظة وأخرى لترفع سبابتها بالشاهدة، كيف كانت قبل كل هذه متطهرة متسترة وكأنها واثقة بأنها راحلة اللحظة، وتريد أن تكون في أجمل حُلة يرضى بها ربها، يا له من شعور لا يمكن أن يكون حاضرًا إلا في قلب مليء بالإيمان بالله سبحانه وتعالى.
عبدالله وعبدالعزيز ومؤيد ونواف ووافي وتغريد هذا الخلف الجميل للراحلة الصالحة سرّني قوة إيمانهم على الرغم من قوة الصدمة، ولن يكونوا - بإذن الله - إلا كما تتمناهم والدتهم بررة صالحين مصلحين، فمن سعادة الراحل أن يكون له ولدٌ صالح يدعو له، وما أجد هؤلاء الأبناء والبنت إلا أكثر صلاحًا ليكونوا أكثر برًا بوالدتهم - رحمها الله.
بين الراحلة حصة الثنيان وعمل الخير وشائج وثيقة، نماها واعتنى بها زوج مشجع وأبناء بررة، فتركت أثرًا باقيًا ينير قبرها -بإذن الله تعالى - فالحمد لله الذي وفق وسدد وما كان ذلك ليكون لولا توفيق الله.
الحياة مهما طال عمر الإنسان تبقى قصيرة، والموفق من وفقه الله إلى تأمين مستقبله الحق، واستعد ليوم الحق، وجعل ذكره حسناً، فلا ظلم، ولا بغى، ولا نمَّ، ولا اغتاب.
في قصة رحيل فقيدتنا حصة الثنيان أجمل مشهد يمكنك أن تتخيله، وكأنها تستعد للذهاب لحفل! تغتسل وتلبس الجديد من الثياب، وليس أي ثياب، ولكن الثياب التي يرضاها من هي قادمة إليه! ليكون آخر لباس لها في الدنيا اللباس الذي يرضاه الله سبحانه وتعالى! وليكون آخر عهدها من الدنيا سجدات لله في هزيع الليل الآخر، وتختم رحلتها بأداء ما فرضه الله عليها.. صلاة الفجر، تلك الصلاة التي عظّم الله فضلها، فكان قرآن الفجر المشهود من الملائكة، ختمت ليلتها واستفتحت يومها بأداء فريضتها!
الحمد الله الذي أحسن لها الختام، وأسأل الله أن يكتب لوالدتها وأخواتها وإخوانها وزوجها وولدها أجر الصابرين المحتسبين، وأن يخلف عليهم خيرًا.. والحمد لله ربِّ العالمين.