لقد اقتضت حكمة الله أن يجعل لكل أجل كتاب، ولكل مخلوق نهاية، وقضى بالموت على جميع عباده، وقال الله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}.
قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، ولقد فجعت كما فجع الآلاف المؤلفة من الذين يعرفون أخي وصفيّ العميد/ فيصل العساف -رحمنا الله وإياه- ذلكم الرجل الذي جمع الفضائل والخصال الطيبة، قل أن تجتمع برجل واحد!
1- حرصه على دينه وعبادته، وقربه من الله، فهو حريص عليه جداً، حريص على صلاته، وعلى صيامه وعبادته، فيقول مثلاً: سأركب الطائرة، وقد لا أستطيع الوصول إلى البلد إلا بعد خروج الوقت، والطائرة التي أنا عليها ليس فيها مكان للصلاة، فما العمل؟ فيأخذ هم كيفية إقامة الصلاة على الكيفية الصحيحة، ويفكر بها، لتعلق قلبه بها، وأسئلته من هذا الباب كثيرة، وكان في بعض الحالات يسأل في مسائل الإفطار في السفر، فيقول مثلاً: لقد قمت بإنهاء جميع إجراءات السفر، والرحلة طويلة، وسآخذ برخصة الإفطار، فيسأل: هل يحل لي الإفطار في صالة المطار قبل بدء الرحلة، أم لابد من إقلاع الطائرة لحرصه على عدم الوقوع في المحظور. وكان يسأل عن الحلال والحرام في كثير من أموره.
2- أما رحمته بالفقراء والمساكين، وكرمه معهم، فذلك معروف عنه،ومشهود له. وصدق من قال:
كريم إذا ضاق اللئيم فإنه
يضيق الفضاء الرحب في صدره الرحب
فكان يحرص على الفقراء والمساكين, ويتحرى في ذلك, فكان غالباً ما يسأل هذا المحتاج: حاله كذا وكذا، وعنده كذا وكذا، فهل يعطى من الصدقة أو الزكاة؟ حرصاً منه على إبراء ذمته.
3- عرف عنه - رحمنا الله وإياه- حب الخير للغير، فكان يفرح فرحاً شديداً بأي خدمة يقدمها لغيره، وإذا طلبت منه شفاعة لا يتذمر أو يتضايق، والعجيب ثقته بالله، فكان دائماً ما يقول: سييسرها ربي، فكانت ثقته بالله عظيمة، وكان إذا أنهى الشفاعة إن قابلك وجدته متهللاً فرحاً، كأن الموضوع يخصه، فيبشر أو يتصل بك، تشعر بسعادته من خلال مكالمته، وينسب الفضل كله لله. وهذا يدل على تعظيمه وتوقيره لله.
4- عرف بشفاعته للجميع، فلا يفرق بين قريب ولا بعيد، ولا من يعرف ومن لا يعرف. ولا صاحب جاه ولا غيره.
وصدق من قال:
فلله در الفتى إن كان مسعاه
إلى المعالي وكان المقصد الله
وكان يفرح إذا علم أن المشفوع له فقيراً أو ضعيفاً أو مسكيناً.
5- كان يكره كرهاً شديداً المدح؛ أو الثناء، وتشعر أن هذا الرفض صدقاً منه،لا مبالغةً، ولا تكلفاً، ولا ادعاءً، ولا مظهريةً، ولا يتردد بعرض خدماته، واستثمار علاقاته، واغتنامه لقبول الناس له،فيعرضها عرضاً، ويلح بعرضها، ولذا فلم يكن مستغرباً أن تجد جميع فئات المجتمع قد فقدته، وشاركت في عزائه، فوجدت من المعزين، ومن المغردين الذين يذكرون محاسنه من كافة فئات المجتمع، وكافة أطيافه، الكل عبر عن ألمه لفقده، ومصيبته بوفاته، فقد اتفق الجميع على حبه -رحمنا الله وإياه-.
6- لم أسمع طوال حياتي معه منه كلمة نائبة، أو مستقحبة، أو غيبة، بل إذا شكى الضيم من أحد يبادر «الله يسامحه».
خامساً/ لا يحب أن يشق على أحد،ويقسم عندما يمرض ألا يزار، ولما ذهب للعلاج في الخارج أرسل لي رسالة، طلبت منه العنوان حتى أقوم بالزيارة له فوراً، فرفض وأقسم ألا افعل، وقال لي بالحرف الواحد: طلبت من جميع أقاربي وأحبائي بعدم الزيارة والتكلف، فقلت: لا كلفه، بل هذا حق وواجب، فقال: يكفيني الدعاء منكم ومطلبي الدعاء من الجميع لي بظهر الغيب.
7- إن مناقب أخي العميد/ فيصل -رحمنا الله وإياه- أكثر من أن تذكر، فوالله ما كانت علاقتي معه علاقة مادية، ولا علاقة درهم ولا دينار، ولا أخذ مني مالاً ولا أخذت منه مال، إنما علاقة حب في الله. جعل ربي مثواه الجنة وربط على قلب أولاده، وأهله، وزوجته، وإخوته، وأخواته، وجميع أقاربه ومحبيه الذين فجعوا في وفاته.
اللهم أنزله الفردوس الأعلى من الجنة، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
** **
- د. صالح بن مقبل بن عبدالله العصيمي التميمي