عرفت الشيخ: حمود بن متروك البليهد عن قرب عندما زرته لأول مرة في منزله لإجراء لقاء معه، للحديث عن ذكرياته كأحد شهود التاريخ في المنطقة، فقال لي:
ولدت كما هو مكتوب في الهوية الوطنية عام 1355هـ، وتعلّمت على يد الشيخ: فيصل المبارك (قاضي الجوف)، ولتعليمي على يده قصة عندما كان عمري تسع سنوات، حيث ذهبت برفقة عمي مسعر البليهد إلى المسجد فتوقفت وقلت لعمي: يا عم ترى ما أبيه يضربني وكان المقرئون في ذلك الوقت يستخدمون الضرب في التعليم فقال عمي: لا ما يضربك إن شاء الله ثم دخلت المسجد وجلست أمام الشيخ: فيصل، ثم طلب مني أن أقرأ فقرأت عليه قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} فأشاد بقراءتي وسألني! (من قريت عنده قبل) قلت (قريت عند الشيخ: عبدالعزيز العقل) فطلب مني أن اقرأ عليه في الغد سورة البقرة فقرأتها عليه بحضور الشيخ: عبدالله بن عبدالوهاب الذي حضر مع الشيخ فيصل ثم قرأنا القرآن نظر ثم غيب وحفظت عنه ثلاثة الأصول، وعمد الأحكام، وبلوغ المرام، وزاد المستقنع، والرحيبة، والآجرومية، وخصني وحدي بين الطلاب بثلاث، طلب مني حفظها: رياض الصالحين ومختصر صحيح البخاري ومشكاة المصابيح، ثم عينني مدرسًا في المسجد عام 1370هـ، وكان عمري وقتها ثمانية عشر عامًا وعيّن إسماعيل الدرعان معاونًا لي، وبقيت على ذلك حتى عام 1377هـ حيث تم تعييني مدرسًا في مدرسة الأيتام عند افتتاحها بسكاكا، وعملت فيها ثلاث سنوات، ثم نُقلت أنا والدرعان إلى تبوك، ولكنّا فضّلنا أن نستقيل من العمل على الغربة، ومن حسن حظنا أننا التحقنا في المحكمة بوظيفة (كُتاب ضبط) في عام 1380هـ، واستمررنا في ذلك حتى عام 1388هـ حيث التحقت بوظيفة الإرشاد وبقيت بها حتى عام 1398هـ لأعين قاضيًا في محكمة سكاكا ومساعدًا لرئيس محاكم الجوف، ثم انتقلت قاضيًا في دومة الجندل، وقاضيًا في طبرجل، أذهب هناك في الشهر عشرة أيام أحكم في القضايا ثم أعود، وفي عام 1415هـ تم تعييني رئيسًا للمحكمة المستعجلة في سكاكا وبقيت فيها حتى تقاعدت عام 1418هـ.
يعد البليهد من أعلام المنطقة البارزين فقد مارس الخطابة والإمامة في عددٍ من الجوامع في المنطقة، ثم عمل مأذون أنكحة، كما أنه ألقى كلمة الشيخ: فيصل المبارك بالنيابة عنه أمام الملك سعود عند زيارته للمنطقة في عام 1373هـ، ويتمتع بذاكرة قوية يستعيد بها الأحداث، ويحفظ كثيرًا من القصائد والقصص المشهورة في الأدب العربي، ومن القصص الجميلة التي حدثت له أنه التقى الشيخ العلامة: عبدالعزيز بن باز من أجل وظيفة يرغب في الالتحاق بها، وعند اختباره في الوظيفة كانت الأسئلة كما يقول سهلة باستثناء سؤال واحد يقول: إنه لم يمر عليه في ذلك الوقت. وكان السؤال:
هل القرآن مُنزل أم مخلوق؟ وما دليلك؟
وبعد تفكير عميق تذكرت نونية القحطاني عندما قال:
وكلام ربي لا يجيء بمثله
أحد ولو جمعت له الثقلانِ
وهو المصون من الأباطل كلها
ومن الزيادة فيه والنقصان
حتى قوله:
أو فليقر بأنه تنزيل من
سماه في نص الكتاب مثاني
لا ريب فيه بأنه تنزيله
وبداية التنزيل في رمضانِ
الله فصله وأحكم آيهِ
وتلاه تنزيلا بلا ألحانِ
فكانت الأبيات طريقًا له لتذكر الآيات التي تدل على أن القرآن منزل وأجاب عن السؤال فحصل على الدرجة كاملة.
حفظ الله الشيخ: البليهد وأطال في عمره على الخير ونفع به، وتمنيت لو كان لهذا الرجل تكريم يليق به على مستوى المنطقة، يسعد به في حياته.