.. باختصار لا تعطِ الأشياء فوق قدرها، ولا تمهرها بما هو أغلى منها(1)..
ركب هرم حافلة فإذا أحد الشباب من خُلقه العالي قام ليقعده في كرسيه، حمد له الرجل معروفه، وبعد برهة أتى رجل من النوع الذي لا يكترث بالآخرين فدفع الشاب بما تحمله يداه.. ابتسم الشاب فيما الهرم قطّب بحاجبيه، ثم الرجل ذاته وهو يصلح من شأن أغراضه أعاد -بلا قصد طبعًا- الصنيع نفسه ولكن هذه المرّة بطريقة لا تحتمل! إذ وقع الشاب، و... لكنه من فوره قام وأقام من هندامه، فقال له الهرم:
علام تسكت وقد كررها؟ أجاب: يا عماه! هي دقائق ونصل (أي إن الأمر لا يحتمل)..
هذه لقطة تلفى بمضمورها ما لا حاجة لشرحه «لا تعطِ الأمور فوق ما تستحق» لأنك ستدفع الثمن من أعصابك، أو غيظ قد تكتمه، ثم الله أعلم ماذا سيُخلف عليك، وهل الضغط والسكري، بل حتى «الأزمات القلبية» تدخل على الجسد.. إلا من إحدى هذه المنافذ؟!
فيما -أي بالمقابل- سبحان الله..
كيف بعضهم يملك قلبك دون أن يدفع شيئا من جيبه، ولا غرابة.. فـ(زرعان يحبهما الله تعالى: زرع الشجر وزرع الأثر
فإن زرعت الشجر ربحت الظل والثمر،
وإن زرعت طيب الأثر حصدت محبة الله والبشر). المهم:
هذه ساحة فسيحة، ومرام جليل أستهلّ به المادة بدعوة غزيرة (ولا تَجْعَلِ مُصِيبَتَنا في دينِنِا..) من نبينا تعلّمناها، دلالتها أن/
كل هم من الدنيا لا يستحق.. عدا ما يمسّ ((الثوابت)) منك، ففي نفس النص السالف
(ومِنَ اليقينِ ما تُهَوِّنُ بِهِ علَيْنَا مصائِبَ الدُّنيا)، ثم لعل هذا يقيّض لنا إيراد ذكر وجه وجيه من التسبيب الذي يجعل من (مقاصد) الشريعة الإسلامية الحِفاظ عليها، أذكرها سريعا -مُذكّرا بها- (الضروريات الخمس: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال..).
ومن جميل ما تسمعه من أحبابنا بمصر «مثلاً» ظاهره ثقيل جدّا، لكن له مضمورًا يسوّغ بلعه، لأن فيه معنى وافيًا:
(الذي تقدر على ديته أذبحه)، وهي كناية فحسب، مرامها أن/
أي موضوع يؤلمك أوّلاً اطرحه أرضًا، أعني من خلال الذهاب به لأبعد ما يمكن أن يبلغ لديك.. الثمن الذي ستدفعه (2) مما (يبلغ) من تبعاته، فسعّره عندها، وإياك أن يعدو لديك بعد الثمن شيئًا آخر، أي لا يأخذ منك ما فوق هذا..
فـ..»الحذّاق» هم من يستحضرون أمام أي خطب النظرة البعيدة للموضوع، فـ.. لتكن مثلهم بذاك ماضيًا، وبالمسلك ذاته منتهجًا، فعند خسارة مالية مثلاً، أو مشكلة ما..
قُم بتقصّي أبعادها فإذا وجدتها والحمد لله مما لا تمثل لك ذاك الكبير.. فلا مانع بنثرٍ عليها شيء من الهمّ، لكن إياك ثم إياك أن تنشر ذاك -الهم- على باقي أبعادك؟!
أستلقط هذه مما وقع لصاحبي (وكان في غربة) أي كان الهم مضاعفًا، فالغربة كُربة.. -حسبك أنك بين قوم غريب الوجه واليد واللسان - المهم/
يومها استأجر سيارة، ثم صُدمت بمواقف مجمع تجاري.. وحين عاد إليها لم يجد غريمه (3)، يقول:
هاتفت الشركة، فأخبروني بأن التأمين الذي وضعته على السيارة من جهة واحدة (إنك أنت إن صدمت أحدًا نتكفّل بسيارتنا وسيارته، وأما إن صدمك أحد فـ..) حين فهمت قاطعت بـ»حسنًا»، لأني بالفعل كنت متعمدًا هذا النوع من التأمين، فإقامتي طفيفة، فلم أشأ أن أتحمّل تبعات ما قد أُفاجأ بشيء لا سمح الله..! ولم أحسب حسبانًا آخر، المهم سألتهم:
وما الذي علي؟ أجابوني: تتحمل الصدمة (أي من التأمين الذي دفعته لهم سلفًا)، ونسلّمك وصل الإصلاح، إن أحببت تشكو -الغريم- أو تُتابع الموضوع..
هنا صمت صاحبي، فسألته: وبعدها؟
قال لا أكذبك اهتممت بالبدء.. لأن الشاعر
(ابن دريد) أطراها..
لكلّ ما يؤذي ..وإنْ قلَّ (الألمْ)
مَا أَطْوَلَ اللَّيْلَ عَلَى مَنْ لَمْ يَنَمْ
ثم ضحك وهو يقول: لكني أبشرك لم أصل لهذه، بل استرخيت وبكل جفوني نمت، وأنا أحمد ربي أن لديهم (مبلغًا) بدلاً من أن يكركب خطب كهذا ميزانية سفري، وترتيبي، فضلاً عن أني قدمت لأتنفّس بعض أنس، فأصل السفر أن يعيد المرء لذاته انشراح البال وتجديد الأحوال و...
وتعجبت حين كرّة أخرى عاد ليضحك.. لكن هنا لاستخدامه لفظة (خطب)
قلت: يعني هكذا انتهى الأمر، أقصد لديك؟ أجاب: الحقيقة بالبدء كما أخبرتك هممت، ولكني سريعًا ما استلحقت تخفيف ما وقع أن مبلغ «التأمين» لا يزيد على الـ10 % من تكلفة رحلتي -كلها-
فقلت لنفسي «يا ابن الحلال، اعتبرك زدت بالرحلة بضعة أيام، فعلام هذا الاهتمام»؟!
انتهى موضوع صاحبي لكن جملته (علام الاهتمام) جعلتني أتوقّف عن استنطاق (أسباب) أساريره، لأني وجدت بطيّ منطقه (منطقًا) في علاجه هذا الهمّ تحديدًا (.. مع نفسه)، وكم بهذه الوسيلة نجاعة له عن حمل هموم هي (لو تبصّرناها) دون الكرب أقصد الخطب الذي حدث (4) بكثير.
هنا كلمة (على الهامش):
كثيرًا ما نبهت لها (لا تدع في السنارة ما هو أغلى من الصيد..)، فـ.. كم ممن يغمّ بضعة أيام لخبر، فإذا هو - الخبر - دون ذلك البُعد الذي ذهب -صاحبه- به إليه أضعافًا. والإشكال الأكبر من يغتمّ لخبر.. هو لم يتأكّد منه (أو الكيفية) التي وقع بها، وما مدى ما يبلغ علاج ذاك (الإشكال) فيفيق ليجده إما إشاعة -لم يقع- أو هو دون من هوّله له!
فـ.. بالفعل بعضهم كأنه غرّ، وإن كان قطع من العمر.. لأنه يأخذ الأحداث أو يراها بعين مجهر!!
بالمناسبة رأيت مقطعًا لفيلم (مكبّر) لبعوضة أو نملة، فقلت سبحانك ربي كم نستحقرها وغالبًا لا نعيرها.. فيما منظرها موحش..!
هنا
أُكرر (دعوة) دعت لنشري هذا/
لنحافظ على صحتنا بشيء من برودة ما يبلغنا، فلا نُسارع في أخذ أمور (قد لا تستحق) فـ.. نصرف عليها من أعصابنا وربما (الصحّة) التي بفقدها لا تعود(5)
أي إذا ما اكتشف حقيقته، أو بالأصح/
انظر لأبعاده، وعندها أوقفه عند تلكم المحطة.. فحسب.
*) في البيت أعلاه.. كان أصل مبتدئه
بـ(يجلُّ ما يؤذي..) إلخ.
1) من اللطيف نصحًا أن.. (لا تضع بالسنارة
ما هو أغلى من السمكة)..!
2) الدفع.. لها حالات، وحالة مردها (المعتّق) أن تدفع -مما لديك- ما يحول عن إتمام سيرك، فتدفعه باليد أو المال أو...
3) أي من سيغرم تبعات الصدمة..!
4) ففي حديث (قدّر الله وما شاء فعل).. بلا تلاج/ كل العلاج
5) حتى وإن عادت (بعد بذل مال وأعصاب) لا تعد كما كانت، بل مصحوبةً بمحاذير - وأسأل للتقريب - من سقط سنّه ثم قام بتعويضه مركّبًا.. كم من نصيحة نبهه لها طبيبه!؟