د. محمد بن صقر
هل نستطيع أن نقول وجدنها أم ما زلنا نبحث عنها؟ فما الذي نبحث عنه وما الذي يفترض أن نجده في الأساس؟ لعلي أسوق هذه القصة التاريخية لكلمة وجدتها فقد تكون مفتاحًا لما يفترض أن نبحث عنه، فكلمة «وجدتها» هي كلمة اشتهرت في الآفاق من العالم اليوناني «أرخميدس» في القرن الثالث قبل الميلاد عندما خرج راكضًا من الحمام وهو عارٍ ويصرخ «يوريكا.. يوريكا»، أي وجدتها.. وجدتها، وذلك عندما خطرت له فكرة إيجاد حجم جسم ما بوضعه في الماء عندما رأى أن الماء انسكب عندما استحم في مغطس مليء بالماء تمامًا ليحل بذلك معضلة، وطلب ملك سيراكوس عندما شك في أن الصائغ الذي صنع له التاج قد غشه وأدخل في التاج فضة بدلاً من الذهب الخالص من أرخميدس أن يبحث له في هذا الموضوع بدون إتلاف التاج. هذا الأمر جعلني أتأمل في كيفية إيجاد الحلول للقضايا الاجتماعية والابتكارية والسياسية والاقتصادية التي تواجهنا. هذا من جانب، ومن جانب آخر لماذا ننتظر القضايا والتحديات أن تأتي حتى تكون لدينا غرفة عمليات لحل مثل هذه الإشكاليات والتحديات؟ إن مكمن ونقطة الارتكاز في هذا الأمر هو البحث والتفكير ومراكز التفكير، فعندما صرخ أرخميدس وجدتها فهو وجد الحل من خلال التفكير والتجربة وتقديم الحل، ووجد الطريقة التي من خلالها يمكن أن يحل هذه المعضلة للملك، فالمسألة تعني أن مراكز التفكير هي مراكز إيجاد الحلول لأي مشاكل أو تحديات أو رسم سياسات فهذه المراكز تهتم بالتفكير وتقوم بتحليل الحلول في مختبراتها وتشرح التفاصيل بمشارط العقول وتقوم باستمطار الأفكار وتلقيح التجارب ورسم خيالات المستقبل لتقديم ما نبحث عنه من المستقبل المشرق في التقدم والتطور. إن مراكز التفكير هي التي تستطيع أن تعرف ما سيئول إليه المستقبل وما ينبغي أن نكون عليه. هذه المسألة ليست تنجيمًا وإنما قراءة للواقع وتنبؤ للمستقبل بناء على المعطيات فالعالم حاليًا يعاد تشكيلة من جديد، وموازين القوى تتغير ومفاهيم الدول المتقدمة والدول المتخلفة بدأت تتغير بوصلتها. جميع هذه التغيرات تحتم علينا أن نجد الحلول في مراكز التفكير والابتكار والاهتمام بها ليس على مستوى المحلي فقط وإنما على المستوى الدولي, فلم نعد على هامش الخريطة العالمية، ولم نعد رقمًا يسهل قراءته وحسابه فمراكز التفكير وفرن القرارات الصائبة تستطيع أن ترسم المستقبل وتعالج القضايا التي يحتاج إليها المجتمع والعالم، وتستطيع أن تصنع اعلماء والفلاسفة والمفكرين الذين يصدرون الجانب المعرفي من الشرق إلى الغرب وليس العكس، فالشيء الذي لا بد أن نجده ونطوره ليكون هو أساس القيادة والريادة في كثير من العلوم والمعارف هو مراكز التفكير والابتكار والتطوير فهي مصدر الحلول ومصدر الإشعاع العلمي الذي لا ينطفئ.