أ.د.عثمان بن صالح العامر
في العاشر من أغسطس يُحتفل باليَوم العالميّ للكسل (National Lazy Day)، الذي يعد - في نظري - من أغرب الأيام العالمية التي تحتفي به وتحتفل بعض شعوب العالم حتى تاريخه، وتعود فكرة هذا اليَوم إلى (ماريو مونتويا) حيث دعا إليه في عام 1984 قائلاً: «إن يوم الكسل العالميّ هو يَوم مقابل اليوم العالمي للعمل»، وأول من استجاب لهذه الدعوة واحتفل بهذا اليوم عام 1985م دولة كولومبيا، إذ أدرك الكولومبيون أنهم لا يحصلون على قسطٍ كافٍ من النوم والراحة جراء أعمالهم المتعبة، فانطلقوا في الشوارع يرفعون لافتات هذا اليوم، ويُمارسون كلّ أنشطة الاسترخاء بعيداً عن أيّ أعمال شاقّة يمارسونها يومياً طوال أيام العام. ومن كولومبيا شاعت الفكرة وذاعت حتى وصلت إلى دول العالم أجمع.
وللتاريخ فقد سبق دعوة ماريو هذا مواقف عدة لفلاسفة كثر ذموا الانصهار في طاحونة العمل التي تطحن بأضراسها قوانا العقلية والجسدية مع مرور الأيام، فها هو الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه (1844 - 1900)، يسخر من الانغماس في الأعمال المادية، قائلاً: «العمل الشاقّ من الصّباح إلى اللّيل يلجم كلّ فرد ويساهم بشكلٍ قويّ في إعاقة تطوّر العقل والرّغبات وحسّ الاستقلال. ذلك أنّه يستهلك قَدْراً هائلاً من الطاقة العصبيّة ويستثنيها من التفكير والتأمّل والتخيّل، ومن المخاوف والحبّ والكراهيّة، وهو يمثّل على الدّوام هدفاً تافِهاً ويؤمِّن ترضيات سهلة ومُنتظمة».
هذه الدعوة يؤكّدها أيضاً (بول لافارج ) في مذكّرة له عام 1883، بعنوان «الحق في أن تبقى كسولاً». «فالحاجة للكسل تمثل في نظره تحطيماً لصَنَم العمل الذي يستعبد الملايين طوال حياتهم التي تبدو وجيزة أمام سنين العمل والإنتاج».
أكثر من هذا ألّف الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل عام 1935م كتاباً عنونه بـ(في مديح الكسل ) جزم فيه بأن: «الاعتقاد بأنّ العمل فضيلة هو سبب الشرور العظيمة في العالم الحديث». ولذلك نادى بتقليل ساعة العمل وأيامه وزيادة الإجازات وإطالتها.
وفي عام 2012م أقامت الفنانة الألمانية (كوزيما فون بونين) معرضاً لها في متحف لودفيغ في مدينة كولونيا، حمل عنوان (الكسل)، وتحدثت هذه الفنانة التشكيلية في حفل الافتتاح مشيدة بهذه الصفة مؤكدة في ثنايا خطابها بأن «حاجتي للراحة والكسل تساعدني على إنجاز الكثير من الأفكار، وهو ما ساعدني على مواصلة العمل.. أنا متفوّقة في ذلك».
هذا كله منصب على العمل الدنيوي الصرف الذي يستهلك الطاقة الإنسانية، ويشغل الإنسان، ويجعله يلهث وراء المادة إلى مالا نهاية، والذي نهانا ديننا الحنيف عن الإغراق فيه، خاصة لمن علاه النذير، وفي ذات الوقت وجهنا إلى أعمال روحية وتفكرية تأملية، وأهمها على الإطلاق العيش مع القرآن الكريم والمحافظة على إقامة الصلاة، وعمل الرجل في بيته وفي خدمة أهله، وأعمال تطوعية إرادية عدة، وصلة الأرحام، وزيارة المريض، وتشييع الجنائز، وغير ذلك كثير، ومع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعوذ من الكسل وقرنه بالعجز إلا أن الدلالة هنا لهذا المصطلح الشائع (الكسل) تتسع لجميع الأعمال الواردة أعلاه، فيدخل في هذا النهي الصريح التثاقل عن القيام بأي عمل كان، روحياً في حقيقته أو أنه مادياً صرفاً، واجباً أو هو مندوباً، ومن ذلك وأوله وعلى رأسه ما كان من المنافقين مع الصلاة مثالاً، التي عدها عليه الصلاة والسلام إراحة من العمل الدنيوي المادي المعروف: «يا بلالُ أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها»، والصلوات الخمس في اليوم والليلة جماعة بالمسجد في حقيقتها (عمل) ولا يجوز معاها الكسل أبداً، يؤديه المسلم طاعة لله وانقياداً لأمره ورجاءً لما عنده كما هو معروف، دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.