يقع الكتاب في (241) صفحة من المقاس المتوسط، بدءًا بقائمة الفهرس ومقدمة كتبها المحققان تناولا فيها رحلات الحج الهندية إلى بلاد الحرمين والتعريف بالمؤلف والكتاب ومسار الرحلة ومصادر المؤلف التي اعتمد عليها في كتابة رحلته، وأهمية الكتاب وملاحظاتهما. وختم بكشاف عام يحوي المواقع والأماكن والأعلام والشعوب.
بدأ المؤلف سردًا للرحلة من بومباي إلى لندن عبر وحدات تناولت كل وحدة محطة من محطات وقوفه وما صادفه في هذه المنطقة ومشاهداته وتعليقاته وأبرز ملاحظاته، ولم يبدأ سرد رحلته إلا في الوحدة الرابعة وذكر بداية انطلاقه وما سبق من الوحدات كان وصفًا للوضع في مدينته تونك وما تعانيه من سوء معاملة الإنجليز للهنود هناك. وفي الوحدة الـ(4) ابتدأ وصف الرحلة والانطلاق من بومباي إلى جدة، في يناير عام (1870م) حين شرع نواب مع حاشيته المكونة من (150) رجلاً الانطلاق، ولم يخف الكاتب كعادته في مؤلفه استياءه مما حوله ومن حوله، فأبدى استياءه الشديد من وضع السفينة التي توجهت إلى لندن وعدد الركاب المكتظين فيها.
تناول المؤلف في الوحدة الـ(5) توقف الرحلة في جدة ومسيره إلى مكة، ذكر فيها هبوط الحجاج في جدة وتفتيش أغراضهم وما يرافقه من تعسف وتدقيق قد يؤدي إلى فقدان بعضها وضياع وسرقة بعضها الآخر. وقد يتعرض بعضها للتلف نتيجة سوء تعامل رجال الجمارك معهم. ثم بعد بقاء الركاب في جدة (24) ساعة يتم السماح لهم بإكمال الرحلة، وأعطى المؤلف وصفًا للرحلة التي استخدم فيها الجمال لأول مرة، وصعوبة استخدامها، ثم أعطى وصفًا لمكة، وكعادة الرحالة في انبهارهم وتعجبهم من مكة وما فيها من ازدحام السكان واختلاف أجناسهم ومشاربهم، وذكر أن أول ما يقوم به الحجاج عند دخولهم مكة هو زيارة الكعبة، والالتقاء بالمطوف، والدخول إلى الحرم عن طريق باب السلام. وتكلم بعدها عن الحكومة في مكة، وترتيباتها، وتطرق أيضًا للموارد المائية في مكة ومن أهمها عين زبيدة، وأردف كلامه بالحديث عن الطائف حيث وصفها بأنها مدينة غنية تنمو فيها الفواكه اللذيذة وتتمتع بمناخ بارد نسبيًا ويتم إرسال الطعام منها بوفرة إلى مكة. كما وصف المؤلف رحلته من مكة والوظائف التي التقى أصحابها مثل الجمالة، المطوف، وكذلك أعطى وصفًا دقيقًا للكعبة، لكنه اختصر حديثه عن ماء زمزم، واكتفى بقوله منبع لا ينضب ينتج عنه حوالي ألف وعاء جلدي في اليوم الواحد ليس فقط للاستخدام في مكة وإنما أيضًا يصدر إلى دول بعيدة.
في الوحدة السادسة كان الحديث عن الطريق من مكة إلى المدينة، ووصف الرحلة وما صاحبها من مشقة، كما أعطى الكاتب وصفًا للأشخاص رجالاً ونساءً الذين التقاهم في الطريق، وكما هو الحال فإن المؤلف لا يترفع عن استخدام الألفاظ النابية التي لا تليق عند وصفه الأشخاص، وبعد أربعة أيام وصل المؤلف ومن معه إلى رابغ وسط مخاوف عدة وإرهاق شديد، ولكن نلحظ أن نبرة حديثه تتغير عند وصوله للمدينة المنورة، وأخبر أن المسجد النبوي وقبر الرسول هو أفضل مبنى رآه في الجزيرة، فأرض المدينة خصبة للغاية، وتملؤها أشجار النخيل. ثم تكلم عن الحامية التركية هناك، ووصفها كالتي في مكة بعدم الانتظام والانضباط. وبيّن أن أول شيء يقوم به الحجاج عند الوصول إلى المدينة هو زيارة مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام.
أعطى الكاتب وصفًا للمسجد النبوي، اعتبره المحققان من الأمور المهمة في الكتاب، حيث وصف المسجد النبوي بدقة فأرضيته معبدة بالرخام ومغطاة بسجاد تركي، والسقف مدعوم بأعمدة حجرية مزينة بجمال وبهاء، أما الحائط فهو ملون ذهبي وقرمزي وأخضر نسجت عليه آيات من القرآن الكريم وصلوات الرسول الكريم، مكتوبة بفسيفساء ذهبية.
عاد المؤلف إلى مكة جازمًا أن ما ينقص هذه المنطقة هو الري، لتصبح الأرض خضراء، وهذه تحتاج إلى إدارة وتحكم بمنابع المياه والجداول الصغيرة الموجودة على الهضاب وفي الآبار التي يمكن حفرها بسهولة في أماكن متعددة. ولكنه كان متيقنًا أن سكان هذه المناطق غير مبالين بفوائد وإيجابيات الحياة المدنية المعاصرة ولا يهمهم سوى رعاية قطعان المواشي والجمال والسطو على المرتحلين. ومن مكة عاد المؤلف إلى جدة، حيث عاد بعضًا ممن كانوا معه إلى الهند، أما هو فأكمل طريقه إلى لندن.
تناول الكاتب في الوحدة السابعة رحلته من جدة إلى إنجلترا مرورًا بالسويس فالقاهرة على باخرة يملكها تاجر تركي واسمها ينبع، وبالفعل عندما وصلت السفينة إلى مدينة ينبع توقفت للحجر الصحي، ثم تحركت السفينة إلى مصر. ولم يغفل المؤلف الحديث عن مصر حيث ذكر براعة المصريين في التطور الزراعي ووصف القاهرة والقصور الملكية، وأن انبهار العرب بها لا يستحق هذا كله، وللأسف أبدى المؤلف استياءه من القاهرة عندما قال القاهرة العظمى خيبت آمالنا حين سمعت عنها سابقًا أنها واحدة من أجمل مدن العالم ولكن لم أجد أنها تتفوق على مدن الصف الأول في الهند.
واستكمالاً لبقية المدن المصرية والحديث عنها فقد تكلم المؤلف عن الإسكندرية بنبرة الاستياء والتهكم نفسها، وعلى ما يبدو فإقامته في مصر لم تدم مدة طويلة، ولم يمهله الوقت للحديث عن أكثر من القاهرة والإسكندرية، ولم يتطرق إلى الجانب الاقتصادي والعمراني والاجتماعي في المنطقة.
واستمرارًا لخط سير رحلته، فقد بدأ المؤلف حديثه عن أولى المدن الأوروبية التي زارها في رحلته ومن أهمها: مارسيليا، وهي أول مدينة أوروبية زارها ومن خلالها وجد اللمحة الأولى للحضارة الأوروبية. كما شاهد هناك عرضًا مسرحيًا صاحب ذلك اندهاشه بالمناظر الجميلة للملابس والإضاءة والموسيقى، بعدها انتقل إلى باريس لكن ما يلحظ على المؤلف أن حديثه في أوروبا تغير عما كان عليه سابقًا في البلدان العربية. واستياؤه مما حوله استحال إلى استحسان، وكان محط حفاوة واستقبال ممن حوله، حتى وصل إلى لندن، وعلى الرغم من فرض ضرائب عليه في جمارك لندن إلا أنه لم يُظهر استياءه وتضجره كما حدث في جدة.
تكلم الدارس عن النساء في لندن، وأظهر اندهاشه بقيامهن بالعمل وتقلد وظائف في المكاتب بخلاف النساء في الهند وحالة الجهل السائدة لدى غالبية الإناث في الهند. تكلم عن المستوى الثقافي للمجتمع الإنجليزي، وأردف كلامه بملاحظة أثارته، حيث تستطيع أن ترى بكل بساطة سائق الأجرة أو سائق العربية وهو يجلس ليقرأ جريدته، كما أبدى المؤلف سروره من التنقل بين طبقات المجتمع الإنجليزي من الدنيا إلى العليا، وأشاد بمستوى اللطافة والأدب وكرم الضيافة الذي التقاه في كل مكان، وأظهر استغرابه من الفرق بين سلوك وتصرف الرجل الإنجليزي في بلاده وما يمارسه في الهند. ولم يفت على المؤلف عقد مقارنة بين الجمال الأوروبي صاحبات البشرة البيضاء والعيون الزرقاء والشعر الذهبي الذي يحوز رضا الإنجليز، والجمال الهندي، لكنه أظهر ميله إلى بني جلدته أصحاب البشرة السمراء والعيون السوداء اللامعة والشعر الأسود الحالك.
اختتم المؤلف كتابه بالمرفقات، وهي طلب الالتماس للقضية التي سافر من أجلها في الصحف الإنجليزية، ومنها جريدة العالم، وصحيفة المجلة القانونية والمراجعات القانونية، وجريدة الإصلاح الهندي تعزيزاً لموقفه، وما يعيشه الشعب الهندي من تعسف من قبل حكومة الهند الشرقية. كما تلا ذلك قائمة المصادر والمراجع التي اعتمد عليها المحققان في تحقيق الرحلة، ومن ضمنها المواقع الإلكترونية، وأردف ذلك الكشاف العام.
والكتاب الذي اتضح جهد المحققين في تحقيقه، وإخراجه من الحيز الضيق إلى عالم أرحب ليستفيد القراء منه خاصة المهتمين بالرحلات، عبارة عن رحلة من الهند إلى إنجلترا، دون فيها المؤلف ملاحظاته عن المدن التي توقف فيها، بدءًا بعدن، ثم الحديدة، فجدة ومكة ورابغ والمدينة وينبع، ثم القاهرة والإسكندرية، فمارسيليا ولندن. وقد بين فيها المؤلف أهم مشاهداته الأولية، دون التعمق في تاريخ وآثار كل منطقة باستثناء المدينتين المقدستين مكة والمدينة.
ومن جماليات هذه الرحلة دقة الوصف التي تجعلك تعيش مع أحداث الرحلة. وقد برز هذا الوصف في العديد من أجزاء الرحلة. فالمؤلف يأخذك في رحلته، فيجعلك تعيش معه اللحظات بصدق منها وصفه للحجرة النبوية والمسجد النبوي.
لوحظ اعتماد المؤلف على التاريخ الميلادي فقط، دون الهجري، ولو قام المحققان بإضافة التاريخ الهجري لهذه الرحلة لكان أفضل من إهماله. كما لوحظ على المؤلف منذ لحظة خروجه من بلدته حتى وطئت قدماه الأراضي الأوروبية استخدام الألفاظ القاسية كـ»وحوش بشرية» - «الأشخاص البربريين»، و»تتساقط النسور على الجيف».. وقد تكرر ذلك في كثير من أجزاء الرحلة، وعلق عليه المحققان في حينه.
ويتضح في الرحلة التركيز على الكثير من الأحوال الاجتماعية في المناطق التي توقف عندها المؤلف، مثل وصف المساكن التي شاهدها، وتكلم عن الأسواق التي مر بها في كل مدينة. مثل سوق جدة، إيضاح بعض المأكولات التي تناولها المؤلف أثناء الرحلة، فمثلاً عند وقوفه في عدن ذكر أنه تناول قطعًا من الكيك المصنوع من الطحين والمخبوز بالزبدة ويطلق عليه فطيرة براتا بالإضافة إلى شرائح من البطيخ الحلو، وقطع من اللحم المطبوخ. وفي الأغذية تكلم عن معرفة العرب بالتمور وأنواعها وتصنيفاتها.
وتكلم الكاتب عن التطور الذي تعيشه لندن ووصف مدينة لندن ومبانيها والتطور الذي وصلت إليه، ففي تلك الفترة كان موجودًا المصعد والهاتف، وتكلم عن النظام القضائي في إنجلترا وعدالته أكثر مما هو موجود في الهند. كما عمد إلى بعض المقارنات التي تخدم القارئ مثل اختلاف سلوكيات الإنجليز في بلادهم عن سلوكياتهم القاسية مع أهل الهند، وإيضاح بعض الإجراءات التي تتخذها الحكومات للمحافظة على الوضع الصحي في بلادها مثل الحجر الصحي مخافة انتشار الأمراض في تلك الفترة وأهمها الكوليرا.
وعلى الرغم من الاختصار الشديد في الرحلة مقارنة بطولها المكاني، ومدتها الزمنية، فهي من الهند مرورًا بموانئ الجزيرة العربية على الساحل الشرقي للبحر الأحمر، ثم مصر في قارة إفريقيا، ثم البحر الأبيض المتوسط إلى المدن الأوروبية وصولاً إلى لندن، وفي هذه الرحلة تتنوع الثقافات، التي أشار المؤلف إلى بعض منها بشيء من الاختصار. ولم يعط المؤلف الرحلة ما تستحق من الكتابة والملاحظة على الرغم من تنوع المدن والبلدان التي مر بها.
لوحظ جهد المحققين بشكل كبير جدًا في تحقيق هذه الرحلة، وما قدماه من توثيق علمي لكل ما ورد فيها من معلومات، ويشكران على هذا الجهد لمبذول والملحوظ، خدمة للبحث العلمي، وحفاظًا على مصداقية وأمانة ما ورد في الرحلة. كما عمد المحققان إلى مقارنة بعض الحوادث التي ذكرها المؤلف في رحلته بما ورد لدى الرحالة الذين قدموا للمنطقة، وقد تكرر ذلك في معظم أجزاء الرسالة. كما يشكر للمحققين أيضًا تصحيح بعض المغالطات التاريخية لدى المؤلف، وأشارا إليها في الهوامش، كما يشكر للمحققين اعتمادهما على مادة مرجعية ضخمة متنوعة في تحقيق الرحلة، مما أضفى على تحقيقهما منهجية علمية موثقة قلما تتوفر في مؤلفات محققة. والأهم من هذا كله يشكر للمحققين إخراج هذا السفر من حدوده الضيقة وترجمته إلى اللغة العربية، وتحقيقه، وهذا جهد علمي جبار لا تقوم به إلا الهمم العلمية العالية، ومشقة تستعذبها النفوس الطامحة إلى التميز والإبداع.
* * *
* حسن حافظ أحمد
* الحج إلى الكعبة والرحلة إلى تشارينغ كروس
* تحقيق أحمد القضاة/ أحمد العيدي
* ترجمة يارا اللقطة
* منشورات أطوار، 1442هـ/2020م.
** **
د. مريم خلف العتيبي - جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز