رمضان جريدي العنزي
يقيني التام لو طبق الناس ما ينشرونه ويبثونه ويتداولونه في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي من مواعظ وحث وتوجيه وإرشاد ونصائح وحكم ومبادئ وقيم ونبل وإيثار ومسجات دينية ودعوات للبر والإحسان وتكثيف التعاضد والتكاتف والتعاون المجتمعي، والبعد عن الخرافة والطلاسم والدجل والانحطاط الأخلاقي والسفالة السلوكية، والحث على التألق في سماء الإنسانية والشهامة والمفاداة من أجل الإنسان، والبعد عن عبادة المال والدنيا، وبغض الأنانية الفردية والاستحواذ الأعمى، لأصبحوا ملائكة يمشون على الأرض، ولهزم إبليس، وفرت الشياطين، وماتت الخطيئة، واندثرت قواميس الهياط، ولأصبحت الدنيا واحة بياض وهدوء وود ومحبة وسلام ووئام. إن ديننا الحنيف يرشدنا إلى أن نفعل حين نقول، وأن تكون آراؤنا صائبة وحكيمة، وقبل أن نبين للآخرين الواجب والمفروض والطلب منهم العمل به علينا نعمل بالواجب والمفروض لنكون قدوة حسنة ومثالاً طيبًا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (سورة الصف: 2-3)، العجب العجاب الذي نراه ونسمعه في جميع وسائل التواصل الاجتماعي شيء يصدمنا بين ما نراه وما نقرؤه وما نسمعه من رسائل نصية. لقد أصبح بعض الناس والكثير منهم يقول الشيء ويفعل ضده، فنرى البعض في المجالس يتفوه بأنه رجل قدوة وأنه فاضل وأنه يهتم بأهله وأبنائه ويربيهم أفضل تربية ويحثهم على صالح الأعمال، وهو لا يراهم إلا قبيل الفجر، يركض من استراحة لاستراحة ومن مناسبة لمناسبة ومن سفر لسفر، والمصيبة والأدهى عندما تفتح مع أحد هؤلاء موضوع النصح والإرشاد والوعظ ليتقي الله فيما يفعل في نفسه، وما يوهم به غيره من نزاهة وعفة، يرد عليك بعبارات فيها من الهون وعدم المبالاة والتناقض الشيء الكثير. إن مثل هؤلاء الذين يمثلون دور الشفافية والنقاء والقدوة والصلاح قولاً لا فعلاً هم في الحقيقة يمارسون مثالية زائفة وفق تدليس وتدنيس وخداع وخديعة. إنهم لا يملكون المثل العليا على أرض الواقع، لهذا فهم يحاولون أن يمارسوها من خلف شاشات مختلفة ومواقع متنوعة، إنهم أصحاب ازدواجية بائنة، وتباين مرير. إن المقاييس والمطالب يجب أن يعمل بها الفرد أولاً ويطبقها على نفسه، قبل أن يطلب من الآخرين تطبيقها والعمل بها. إن ادعاء الكمال والتمام، وتصوير الشخص نفسه على أنه مثالي وحكيم، وأنه صدق غير كذوب، وأنه واصل غير قاطع، وأنه لا يجامل ولا يداهن ولا ينافق ولا يتلون، وأنه يملك الدرجة العالية من الوعي والإدراك، وهو في الحقيقة الثابتة ومن خلال المعرفة والدراية بحالة يناقض نفسه بنفسه، وإن حاول أن يضعها في درجة العليين.. يحث على عدم العقوق وهو عاق، ويرفض الظلم وهو ظالم، ويمقت النفاق وهو منافق، ويرفض الكذب وهو كذوب، ويضع الآخرين في قفص الاتهام وهو متهم، يدعي الشفافية وهو الذي يملك الشك والريبة التي لا حصر لها، والأدهى والأمرّ من ذلك أنه يحسب نفسه أنه خرق الأرض وبلغ الجبال طولاً، وأنه فوق الجميع. وفي الأخير إن الإنسان الحكيم السوي الحصيف هو الذي لا يحاول أن يستغفل الناس، ولا يبخسهم حقهم في الفهم والمعرفة. وعليه كما يمارس الكلام والتنظير أن يمارس الفعل والعمل، وأن يكون ظاهره كباطنه، وأن لا يخالف واقعه، وأن يكون على قدر النشر وإلا لا ينشر ولا يحث ولا يعظ ولا يدعي ما ليس فيه.