عبدالله سعد الغانم
تحلُّ الإجازة ويتسابق كثيرٌ من الناس للتخطيط لرحلة استجمام يقطعون بها روتين حياتهم اليومية ويجددون من خلالها نشاطهم للعودة إلى أعمالهم بحيوية، فمنهم من ينطلق إلى خارج البلاد ومنهم من يؤثر أن يقضي إجازته في ربوع وطنه الغالي الذي يحظى بفضل الله بأماكن كثيرة متميزة ولعل أميزها البقعتان الطاهرتان بيت الله الحرام والمسجد النبوي، حيث الراحة والطمأنينة والأمان والأجور الوفيرة. وفي الأيام الماضية يسَّر الله لي برفقة عائلتي زيارة بيت الله الحرام وقضيتُ فيه وجواره أيامًا حافلةً بالأنس والسعادة والفخر والاعتزاز لما رأيته من إقبال الناس الكبير من كل حدبٍ وصوب لأداء مناسك العمرة بعد انقطاعٍ بسبب جائحة كورونا في أجواء روحانية رائعة وخدمات جليلة مميزة تقدمها حكومة خادم الحرمين الشريفين -أدام الله عزه- حيث بذلت في عمارة البيت الحرام وتوسعته ونظافته الأموال الطائلة تجعل كلُّ من يزور هذا البيت العتيق يحمد الله ويشكره أن هيأ لهذا البيت المبارك قيادةً راشدةً ناصرةً للدين معظمةً شعائره ساعيةً في خدمته وخدمة زائريه باذلةً الغالي والنفيس لأداء نسكهم براحةٍ وطمأنينة وقد رأيتُ على قسمات وجوههم أثناء أداء العمرة وفي المطاف تباشير السرور والسعادة ومنهم من ينقل هذه المشاعر الجميلة لأهله من خلال هاتفه صوتًا وصورةً ويعبرون عن شكرهم ومحبتهم لهذا البلد المبارك ولقيادته الحكيمة مما أشعرني كمواطن بالفخر والاعتزاز والحبور ورجال الأمن في عمل دؤوب للتنظيم وبأعدادٍ كبيرةٍ وفي جميع أنحاء الحرم يزينهم الإخلاص مع خلقٍ عالٍ وتعاملٍ حسنٍ وراق مع أفواج المعتمرين وعمال النظافة الرائعين يتنقلون في أروقة الحرام الشريف بكل إخلاصٍ وتميز مع روحٍ ساميةٍ وابتسامةٍ مشرقة ترتيبًا ونظافةً ورعايةن فلله درهم!
وأبهرني كثيرًا توفر دورات مياه للرجال والنساء في باحات الحرم الخارجية وعلى درجة عالية من النظافة وبسلالم كهربائية تسهل على المعتمرين الدخول والخروج إليها ومنها.. ولي وقفةٌ مع بعض المشاهد التي استوقفتني أثناء زيارتي لبيت الله الحرام:
المشهد الأول: هطلت علينا أمطارٌ طيبة في إحدى الليالي ونحن في التوسعة من الجهة الغربية وكان فرح الناس بهذا الغيث المبارك كبير فلفت نظري الكثير منهم مغتنمًا هذه الفرصة الثمينة مدركًا أنَّ من مواطن إجابة الدعاء نزول الغيث موليًا وجهة الكعبة المشرفة رافعًا يديه إلى السماء داعيًا ربه بإنابة فأثلج صدري كثيرًا هذا المنظر الرائع الجميل وحمدت الله.
المشهد الثاني: سرّني ما رأيتُه من إقامة رئاسة الحرمين في المسجد الحرام حلقاتٍ لتحفيظ القرآن الكريم للرجال والنساء وازدادت غبطتي حين رأيت الإقبال الكبير على مائدة القرآن في بلد القرآن العظيم الذي يقيم سنويًا مسابقتين الأولى عالمية وهي مسابقة الملك عبدالعزيز - طيَّب الله ثراه - في أروقة الحرم المكي الشريف والثانية محلية: وهي مسابقة الملك سلمان - حفظه الله - فما أسعدنا بهذا الوطن الغالي!
والمشهد الثالث: الألفة والمحبة والأخوة بين المعتمرين من كل بلاد العالم الذين جمعتهم رابطة الدين والعقيدة حتى رأيتُهم يتشاركون في المأكل والمشرب ويبادرون بعضهم بعضًا به، بل رأيت أطفالاً وشبابًا يتسابقون في هذا المضمار المبارك بكل بشاشةٍ وسخاء.
المشهد الرابع: رأيتُ أنَّ هذه البقعة الطاهرة نقطةُ التقاء بأحبةٍ انقطعت بهم السبل وأخذتهم الحياة بتكاليفها ومسؤولياتها، حيث ترى أحبةً لك من داخل الوطن شماله وجنوبه وشرقه وغربه ومن خارج الوطن فتجدِّد معهم رابطة الإخاء ومشاعر المحبة والوداد وقد التقيتُ باثنين من طلابي درَّستهما في المرحلة الثانوية عرفاني من بين الجموع وفي وسط الزحام داخل الحرم فتبعاني دون علمي بهما حتى استوقفاني ولمستُ منهما شعور المحبة والوفاء ونبل الإخاء.
المشهد الخامس: ذات يوم وبعد صلاة الفجر رأيتُ ولدي زيادًا جالسًا في بيت الله الحرام تاليًا كتاب الله فأكبرتُ صنيعه وملأني السرور بذلك وحمدتُ الله وكتب في هذا المشهد الجميل هذه الأبيات تشجيعًا له:
اقرأ زيادُ ففي القرآنِ خيراتُ
اقرأ - هنيئًا - فإنَّ الأجرَ جنَّاتُ
كم سرَّ قلبي جلوسُ الفجرِ في حرمٍ
هو الشريفُ وطابت فيه أوقاتُ
في مكةَ الأمنُ والإيناسُ يملؤنا
بفضل ربي وفاضت فيه رحماتُ
يا ربِّ ثبِّت زيادًا زدهُ مكرمةً
واجعله من روضة الإيمانِ يقتاتُ