لا شك أن التجربة الحياتية البشرية على الأرض قد مرت بعدة مراحل وقد دارت الحضارات وانتقلت من أمة لأمة ومن شعوب لشعوب. ولكن المتأمل في عصرنا هذا يرى قيام حضارة عالمية جديدة، يشترك فيها الجميع، وقائمة على آخر ما توصل له العلم، والبحث العلمي، وعلى الإبداع والابتكار والصناعة، وعلى الاجتهادات الفكرية وإرث الحضارات السابقة.
وإن كانت التجربة الإنسانية قد مرت بمراحل ازدهار وصعود حضارات، ومن ثم هبوط وأفول حضارات، فإن اليوم بواقعه وأدواته المتعددة (كأدوات تلاقح الأفكار والتوثيق المتنوعة)، يُبشر ببزوغ فجرٍ جديد وولادة حضارة عالمية جديدة، هي في مرحلة المخاض. وأعتقد أن المستقبل زاهر للبشرية، على الرغم من كل ما في العصر من أمور تدعو إلى التشاؤم والخوف مما هو قادم.
ولأن التجارب الحياتية المتنوعة، وخصوصًا المغايرة، تستحق توثيق كل ما هو إيجابي فيها، بقصد مشاركتها مع المعاصرين والأجيال القادمة، كان لا بُد أن ينتبه الكتاب والعلماء والمفكرون وأصحاب التجارب في كل مجتمع، إلى مشاركة الآخرين خلاصة تجاربهم وفوائد علمهم وعصارة فكرهم ونتائج بحوثهم، بطريقة التوثيق المناسبة، خدمةً للإنسانية واستشعارًا بالواجب الأخلاقي تجاه إنسان هذا الكوكب.
وهذا يقودني إلى التطرق إلى فكرة استنبطتها وكونتها عن الحياة ( ولا أعلم إن كان قد سبقني إليها أحد) ولكني رغبت بمشاركتها مع القارئ الكريم. هذه الفكرة أو النظرية هي أن للحياة ستة أبعاد: البُعد التعليمي، البُعد العملي، البُعد العائلي، البُعد الاجتماعي، البعد المادي، والبُعد الصحي.
وكل بُعد أو جانب من هذه الجوانب يقود النجاح فيه في نهاية المطاف إلى النجاح الكلي في الحياة، وذلك بالنجاح في جميع الجوانب. ولأن الناس يختلفون في توجهاتهم وميولهم واهتماماتهم ورغباتهم، فإن الأفراد يتفاوتون في النجاح في كل جانب، ولكن المهم الحِسبة الكلية والنجاح فيها عمومًا، مما سيحقق السعادة للإنسان، ويجعل التقدم في كل جانب سببًا للسعادة الدائمة.
أما أهم جانب من هذه الجوانب، كما أراه، هو الجانب الصحي، فالاهتمام به هو أمرٌ مهم. والصحة لها خمسة أبعاد: البُعد الجسدي، البعد النفسي، البُعد العقلي، البُعد الروحي، والبُعد الاجتماعي.
البعُد الجسدي يشمل صحة الجسم ووظائفه وكل ما له علاقة به، والبعُد النفسي يشمل العواطف والمشاعر والانفعالات، والبُعد العقلي يشمل الأفكار وطريقة التفكير والآراء والاعتقادات، والبُعد الاجتماعي يشمل السلوك والأمور الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي.
أما البُعد الروحي فهو مهم جدًا ويشمل الجانب الديني في حياة الإنسان والإيمان وعلاقة الفرد بربه وصحته الروحية ومدى طهارة الروح لديه. ولأن الأمراض الروحية (كالعين والحسد وأنواع المس والسحر) وقوعها محتمل، فإن الجانب الديني في الحياة هو المُحصن للإنسان وأبنائه منها بعد الله سبحانه وتعالى. أما إن وقعت بإذن الله وحكمته فإن المُخَلِصْ هو الله سبحانه وتعالى والإيمان به والتقرب منه وكتاب الله الكريم الذي قال فيه الله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا (82) سورة الإسراء.