نعلم جيدًا قيمة القراءة العظيمة في تكوين شخصية الفرد ورفع نسبة الوعي عنده. وهي تعد نور العقل وغذاءه. وعندما تبدأ علاقة الفرد مع القراءة منذ الصغر، وتصبح له عادة، فإنه يكتشف أثرها في شخصيته وفي طريقة تفكيره عندما يكبر.
المحزن جدًا هو ما نراه من فقر ومجاعة يحلان بمكتبات مدارس التعليم، بل إن الوهن يستلقي على رفوفها، ويتعدى هذه الرفوف إلى إدارات التعليم ومكاتبها؛ نراها تتزين بالبناء العمراني الشامخ والأشكال الهندسية والرسومات التشكيلية، في حين تتجاهل وتغفل الجانب الذي يكون تأثيره قويًا في حياة البشرية، وهو عنصر القراءة، فلا نرى فيها ركنًا أو زاوية للقراءة خلال ساعات الانتظار، وقد لا تكون الوزارة أحسن حالاً من إداراتها ومكاتبها ومدارسها.
من هذا المنطلق البائس يستمر التعليم العام بعيدًا عن إطار الأفق الرحب بالنهوض بتفكير النشء، ورفع الوعي عندهم من مقاعد الدراسة، فينشأ جيل متأخر في القراءة، ويكون مترددًا في قراراته، ولا يملك حاسة النقد والرأي الذي يصدر عن فكر ممتلئ بالوعي وسعة الأفق والاطلاع وبعد النظر، وكل ذلك يأتي من ثمرات القراءة، فافتقدناه في النشء لأننا أغفلنا جانب أهمية القراءة للإنسان منذ صغره.
نحتاج إلى مشروع ضخم يبدأ من المدارس، وترعاه وزارة التعليم، يكون هدفه النهوض بوعي الطالب منذ صغره، ويكون مشجعًا على القراءة وحيًا نلمس نتاجه فيما بعد في الأجيال التي تتخرج. والأفكار التي تصب في هذا الجانب كثيرة، مثل إنشاء مقهى للقراءة داخل كل مدرسة، في إحدى زواياها، وتقام داخله الحوارات والنقاشات حول الكتب ومواضيعها، وتنظم مسابقات يكون هدفها الأول رفع قيمة الوعي بأهمية القراءة.
كذلك فإن فكرة إعادة ترميم مكتبات المدارس وجعلها في شكل يكون فيه جذب للطلاب وإغراء بقضاء الأوقات الممتعة داخلها فكرة جيدة.
نريد مشروعًا ضخمًا، وحراكًا نشطًا داخل المدارس، يجعل القراءة عادة مفضلة لأبنائنا الطلاب.
إن ما جعلني أكتب هذه المقالة أنني، من خلال اهتمامي بالقراءة، وجدت قراء كثرًا لم تكن بدايتهم مع القراءة إلا من خلال مقاعد الجامعة، أو من خلال العمل، أو من تأثير زميل عمل، ولم أجد -للأسف- من كانت بدايته الحقيقية والجادة مع القراءة من مقاعد الدراسة، وهذا يعطي إيحاء بأن بداية القراءة تكون متأخرة عند أبناء وطننا، ولا نجد إلا قلة تقرأ منذ الصغر، وهذا السبب يرجع إلى أن أحد أفراد الأسرة كان مهتمًا بالقراءة، فالخلل هنا واضح، من خلال التعليم العام، الذي تهمل نشاطاته وبرامجه القراءة الحرة، وما يدل على هذا التهميش للقراءة هو مكتبات المدارس المترهلة؛ لذا يجب أن تبدأ وزارة التعليم خطوة جريئة، فقد آن الأوان لإطلاق مشروع ضخم يهتم بجانب القراءة داخل المدارس، ويشرف عليه من هم أهل له، ممن يمتلكون الخبرة الكافية في مجال القراءة، حتى ننشئ جيلاً قارئًا مثقفًا واعيًا منذ الصغر لدوره تجاه وطنه ومجتمعه، ويسهم بشكل فعال في دفع جودة الحياة.