خالد بن حمد المالك
ما يجري في العراق ليس وليد الساعة ولا اليوم، فامتداده يعود إلى بداية تخليص الولايات المتحدة الأمريكية العراق من نظام صدام حسين، فقد أطلقت واشنطن يد إيران لتعبث بالعراق الشقيق، وفتحت المجال لإيران لتشكل هوية العراق بما يتناغم مع مصالحها، فكانت الفتنة الشيعية-الشيعية التي نراها، وإقصاء العرب والأكراد ذوي المذهب السني، وجميع الأقليات، وحصر السلطة بالشيعة، دون أن تتركهم يتوافقون على آلية إدارة الدولة.
* *
والصراع بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، وهما من الشيعة، ومن الموالين لإيران، ولكن بنسب مختلفة، يمكن فهمه على أن التيار الصدري يريد ويسعى وينادي بإصلاح الأوضاع في البلاد في الشؤون الدستورية والقضائية وغيرها، بينما يصر الإطار التنسيقي على إبقاء الأوضاع على ما هي عليه، ومن دون أي تغيير، ما يعني عدم استعداده للقضاء على الفساد، أو التخلص من التبعية لإيران، وهو ما يخالف دعوات مقتدى الصدر المتكررة.
* *
هناك طرف ثالث على الخط، وإن لم يُعلن، لكن يده في هذه المشكلة لها دورها في إذكاء نار الفتنة، وأعني بهذا الطرف إيران تحديدًا، لأن استقرار العراق، وإن كان بقيادة الشيعة، لا يخدم الدولة الفارسية، ولا يمرر مصالحها في العراق، وامتدادًا في المنطقة، لهذا فهي لاعب خطير جدًا في زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة. ومثل هذا الظهور الاحتجاجي من الأطراف المتصارعة على حكم العراق يصب في مصلحة إيران، وخصوصًا أنه يكرس تبعية الميليشيات العراقية لها.
* *
على أن الاعتصامات، وإن بدت سلمية، وإن نأت قوات الأمن بنفسها عن التدخل، ووقفت على مسافة واحدة من الطرفين، إلا أن لغة التهديد، أو ما أسماها الإطار التنسيقي برسائل تلمح إلى أن شيئًا يحضر من الإطار التنسيقي لإجبار الإطار الصدري على إخلاء مجلس النواب، والتوجه نحو تعيين مرشحهم (السوداني) لرئاسة مجلس الوزراء، دون القبول باعتراض مقتضى الصدر، أو الأخذ بالاعتبار بما يتمتع به رئيس التيار الصدري من مؤيدين بأعداد كبيرة من المواطنين.
* *
ووفق البيانات الصادرة من الجانبين، فلا حل - على ما يبدو- لهذا الصراع في وقت قريب، ولا معالجة لأزمة تشكيل الوزارة واختيار رئيس الجمهورية، إذ ما زال الطريق غير سالك لحل المجلس النيابي، والاقتراع من جديد لاختيار أعضاء جدد، ما يعني أن العراق مقبل على مرحلة قد تتطور المظاهرات الميدانية فيها إلى درجة المواجهة المسلحة، ومن ثم يصعب معها منع تصاعدها الخطير المتوقع.
* *
لقد كان هناك من يرى أن خروج القوات الأمريكية والأجنبية من العراق، وتسيده لقراره، قد يمنحه القدرة على التعافي، غير أن هذا لم يحدث فقد انسحبت القوات الأمريكية والأجنبية، ولكن التدخل الإيراني المدمر، ووجود ميليشيات وتنظيمات مسلحة مدعومة منها، وتستجيب لأوامرها وتوجهاتها حتى ولو كان ذلك على حساب مصالح العراق، وعلى حساب ابتعاد بغداد عن حضنها العربي، هو ما يفسره السلوك العراقي منذ آل الحكم لهذه الطبقة التي يدور الصراع بينها دون توقف.
* *
وما هو تحت الرماد من الخلافات، ولم يُفصح عنه بعد، كثير وخطير ومدمر، ومطالبة الغيورين على العراق من العراقيين بإقصاء الفاسدين، واسترجاع أموال الدولة المنهوبة، وإجراء إصلاحات دستورية على نظام صممه الحاكم الأمريكي (برايمر)، وفيه خلل كثير، هي مطالب مشروعة، ومثلها محاسبة كل من قصّر بحق العراق، أو خانه، أو فرط بحقوقه، أو تآمر عليه، لكي يعود عربيًا قويًا، ويعود بعودته إلى تاريخه المجيد.
* *
التجربة في إدارة شؤون البلاد بعد سقوط نظام صدام حسين لا تخدم إلا إيران وعملاءها في البلاد، فلا زال الشعب يعاني من النقص الحاد في خدمات الكهرباء والماء، وتراجع المستوى التعليمي، وتفشي الفساد، وانعدام الأمن.. والسلسلة طويلة، في ظل اقتصاد متواضع، وهيمنة الميليشيات المسلحة الموالية لإيران على القرار في البلاد، فيما تم تعطيل عمل المؤسسات الحكومية، وتعذر معها انتخاب رئيس للبلاد، وتسمية رئيس للوزراء، وبالتالي تشكيل حكومة ترضى عنها كل الأطراف. والأيام القادمة حبلى بالمزيد من المناكفات التي ربما تخرج عن سياقها السلمي، ويكون الانفجار الذي قد يصعب تطويقه والسيطرة عليه.