د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
اصطفتْ كثير من مواقعنا التراثية وفنوننا التراثية في مستراد عالمي استحقاقًا ترفعُ له الرايات؛ فانتظمت عدد من المواقع والفنون بقوالبها المادية وغير المادية ضمن ما تم تسجيله في قائمة التراث العالمي في «اليونسكو».
والتراث الوطني بأشكاله يُمثّلُ سردًا موثوقًا لمراحل التمدن الذي مرَّ على المواقع في بلادنا من الثقافات الموغلة في القِدَم والممتدة إلى عهود قريبة، ويُسْتنطق الماضي كامتداد ذي علائق متينة تحتفي بالولاء للمكان وأهله. وعادة ما تحتضن الكواشف التراثية تاريخًا ثريًا تضرب جذوره في أعماق الماضي؛ فتكون في الحاضر مشاهدات تلامس أعماقنا، وعند الشعوب المتفوقة يؤطرُ التراث لصناعة المستقبل. ومع الوفير من التراث المسجل عالميًا يلزمنا الإلمام بالمنهجيات والممارسات العالمية لإدارة تلك المواقع وتلك الفنون إدارة تحقق الاستدامة والحفاظ على تلك النفائس من العبث!
إنَّ هذه التباريح سنحتْ لي وتهيأتُ لمراكبها عندما اطلعتُ على الحراك البليغ (لهيئة التراث) تلك الابنة الجميلة التي أنجبتها وزارة الثقافة فلبستْ قشيبًا وتخضبتْ بالحناء وتزينت بالفل والكادي؛ والحقيقة الماثلة التي تُحمدُ (لهيئة التراث) عندما أجادتْ استجلاب التآزر الإعلامي، ليس لإبراز مقدّرات التراث ومقتنياته داخل أوعيتها فحسب؛ إنما ليعلن الإعلام عن المكتشفات الجديدة من كنوز التراث الوطني؛ والحديث الغزير عن تراثنا في حواضن بلادنا عند انبلاج النور عنها، ولينشر الإعلام نبض الماضي ليصل وجيبه للحاضر ويحفز للمستقبل، وحضرتْ الهيئة منقادة بروائع التراث في محطات خارج الوطن فانبهروا حين شاهدوا ابن الشمس وربيب الصحراء وقد أورقتْ الرمالُ بين يديه، فصار تراثنا واجهة عالمية مضيئة، واليوم عندما صاغتْ هيئة التراث استراتيجية المسح والتنقيب بدتْ معالم التراث بكل تجلياتها في قلب كل منطقة من بلادنا فأعلنتْ هيئة التراث للعالم ميلادنا!
ومنذ الأزل وهذه الثقافات التراثية التي اعتصرتها قوة الإنسان في ماضيه تنشد مسترادًا ينمو معه الشغف الوطني ويكون سفارات تنبئ عن إرث معنوي يعد مؤشرًا عاليًا على حضارة البلاد وفكرها وتاريخها؛ فكانت هيئة التراث...
وما فتئت الهيئة الوليدة تبني استراتيجياتها على اليقين بامتلاءات المواقع السعودية بالتراثيات المشهودة، وانبرتْ تخطو في مجال الاكتشافات فأسفرتْ عن نواتج غزيرة، وحراك أمين لحيازة النادر والنفيس؛ وكما تقاسمتْ هيئة التراث مع ثقافات العالم وتراثهم منصات عالمية فحققتْ جزءًا من المثاقفة وما زلنا نتطلع إلى التعددية في صناعة واستحداث حوامل التراث الوطني وتخصيصها لتأخذ شكلاً وفيرًا، كما نأمل أن يصاحب معارض التراث الثمينة شرح مرئي توثيقي يُعَدّ من قبل المتخصصين ويحمل الاستدلال العلمي والتاريخي؛ وأن تترجم النقوش بما يستنطق عهودها، وليتنا نشرع في تأطير الإعلام التراثي وقنواته التنفيذية؛ وأولها القناة التلفزيونية المتخصصة؛ وحيث إن من مستهدفات الرؤية الوطنية العملاقة 2030 ترقية واقع السياحة الوطنية الذي بدأ يعلو في سلّمه، فنأمل أيضًا في الحضور الكامل للتراث الوطني بأشكاله في كل رقعة انغرست في تاريخ السياحة في بلادنا؛ وحتى لا تكون المعرفة التراثية في ذيل المعارف لا بد أن يكون لكل وزن في التراث أوزانه الملأى في المناهج التعليمية، وأن تضطلع وزارة التعليم بشراكة منتجة، ترتقي إلى برامج عمل محفزة مع هيئة التراث.
وختامًا، شكرًا لهيئة التراث على استراتيجية التنقيب وتكشيف المواقع التراثية فهناك البدايات، وشكرًا لكل من أولم وليمة من المكتشفات التراثية الجميلة في النهايات.