سلمان بن محمد العُمري
في الوقت الذي تسجل فيه الإحصاءات الرسمية نسبًا عالية من الطلاق في مجتمعنا، وتتصاعد هذه الأرقام في كل عام، ونجد من الغيورين صيحات نذير للحد من ظاهرة الطلاق والتأكيد على ربـاط الحياة الزوجية، والتحذير من أخطار ذلك على المجتمع، والخوف من تفاقم المشكلة وتداعياتها، والآثار الجانبية السلبية للطلاق على الزوجين وعلى الأبناء وعلى المجتمع فيما بعد، أقول على الرغم من ذلك إلا أن هناك من يسبحون ضد تيار المجتمع، ويسيرون مع الانفلات، ويعززون لهذه الظاهرة السلبية (الطلاق)، والأدهى والأمر في هذا أن يكون المعزز لهذا الحل السلبي ممن يعدون من الباحثين والمتخصصين في الدراسات الاجتماعية والنفسية!!
يقول أحدهم في توصية سلبية: (عزيزتي الزوجة: حياتك أكبر من زواج فاشل...) هكذا قال!!!! وليس في استشارة خاصة بل في توصية عامة وعلى الملأ، ومن خلال وسائط التواصل. وإذا كنا قد ابتلينا بمن يسمون أنفسهم أو يسمين أنفسهن بالمستشار الأسري، وغير ذلك من المسميات، فإن هناك بعض الأسماء المعتبرة أكاديميًا، ومن حملة الشهادات العليا، لديهم (شطحات) وكوارث بتوصياتهم التي لا تساعد على البناء الأسري بل تحمل معول هدم للأسرة والمجتمع، وإذا كانت هذه أحاديثهم السلبية على الملأ فكيف بالتوصيات والاستشارات الخاصة؟! نسأل الله العافية.
ربما يقول البعض بأن الناس أحرار في آرائهم وأفكارهم، وأقول ليس الأمر على إطلاقه، للناس أن تختار ما تشاء بالنسبة لها، ولكن حين يكون الحديث عامًا، ويمس المجتمع، فعلى الجميع أن يزنوا كلامهم، ولاسيما إذا كانوا في منصات إعلامية يشاهدها الجميع، وليكن الحديث متزنًا ومنضبطًا وليس تحريضيًا ودعوة للفلتان، فهذا تخبيب عام، وللأسف لم تعد المسألة تخبيبًا في مجالس النساء!!! بل أصبح التخبيب فكرًا يسوق في مواقع التواصل وينشر، وكتبًا تطبع، واستشارات وعيادات تسوق لفكر الطلاق والخلع وبمقابل!!!
نعم، لقد أثبتت الدراسات الطبية أن الضغوط النفسية المستمرة لها تأثير على صحة الإنسان، وأن كثرة التعرض للتوتر والقلق المستمر يسبب ضعفًا في جهاز المناعة؛ فيجعل الجسم عرضة لجميع الأمراض، كما أن القلق والضغط النفسي يزيدان من احتمالية إصابة الأشخاص بمرض ضغط الدم واختلال في ضربات القلب وتصلب الشرايين، وقد تصل إلى الذبحة القلبية، وغير ذلك من الأمراض، ولكن وجود مشاكل في بداية الحياة الزوجية لم يسعف التجربة، والنضج لدى الزوجين في معالجة المشكلة لا يؤدي إلى الحكم بأن الزواج فاشل، ولدينا شواهد كثيرة من حالات لعدد من المتزوجين صار بينهم الخلاف والقطيعة لفترات ومن ثم تم عودة الزوجين واستمرت علاقتهما الزوجية لعقود وخلفوا أبناء وبنات متميزين في مسيرتهم العلمية والعملية، بل أعظم من ذلك فقد سمعنا عن نساء عظيمات قمن بتربية أبنائهن خير تربية وأزواجهن كانوا ممن ابتلاهم الله بالشراب، وكانت الأم تذوق الأمرين من هذا الرجل السكير ولكنها صبرت واحتسبت، وبارك الله في ذريتها وتفوقوا علميًا وعمليًا.
وقضية التخبيب متزايدة، وبالذات في الوقت الحاضر، حتى كثرت المشكلات والقضايا في المحاكم من جراء ذلك، وفي دراستي العلمية الميدانية (ظاهرة الطلاق في المجتمع السعودي) كشفت الكثير من الحقائق الخفية، وسبق أن كتبت الكثير من المقالات والموضوعات، وآخرها -وليس بآخر- «خراب البيوت».
يقول أحد الإخوة لو أن الأزواج والزوجات قرؤوا بتدبر آيات النكاح والطلاق وأحكامهما، وفهموا ما فيها من المواعظ والتذكير والعلم والفقه، لقضي على كثير من المشاكل الزوجية؛ لذا فإنه ينبغي لكل مقبل أو مقبلة على الزواج دراسة هذه الآيات العظيمة، حتى يكون الزوجان على علم بهذا الميثاق العظيم الذي جمعهما، ولكني أقول إن بعض المستشارين الأسريين بحاجة لهذه القراءة قبل الأزواج، كما أنهم بحاجة للتأهيل الاجتماعي والنفسي قبل أن يكونوا مستشارين حتى لا نسمع بالآراء السلبية غير المنضبطة.