الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
يؤكد المختصون والمهتمون في الشأن الاجتماعي والأسري أن ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع له أثر على تراجع مؤسسة الأسرة، كما أن الاحتفال بالطلاق وسيلة لهدم البيوت لأن الاحتفال شرعه الله تعالى للزواج والبناء، وليس للطلاق والهدم.
وما يتم تناوله في وسائل التواصل الاجتماعي عن إقامة حفلات للطلاق والخلع بدعة على غير هدي دين الإسلام، وهي بمثابة جرس إنذار على تدن كبير في طبيعة العلاقات الزوجية، واستخفاف بمنظومة الأسرة وعظمة دورها.
«الجزيرة» التقت مجموعة من المتخصصين في العلوم الشرعية والمهتمين بالشأن الاجتماعي والأسري للتحدث عن حفلات الطلاق التي بدأت تنتشر في أوساط المجتمع.. فماذا قالوا؟.
تمزيق الأسر
يقول الدكتور سليمان بن محمد النجران الاستاذ بكلية الشريعة بجامعة القصيم: من مصائب هذا الزمن الاحتفال بالطلاق والخلع؛ فهذا انتكاس وارتكاس في المفاهيم والقيم، مناقض ومضاد لمقاصد الشرع المطهر؛ فكيف يفرح بهدم البيوت، وتمزيق الأسر، وتقطيع المجتمع؛ فإذا كان الشارع الحكيم أقر الخلع والطلاق فللضرورة القصوى، باحتمال أدنى المفسدتين، لا أنه موطن فرح وبهجة، والعياذ بالله؛ إذ لا يفرح بهذا، إلا الشيطان وحزبه.
ميثاق غليظ
يبدأ الدكتور عبد الله بن مطلق المطلق المحامي والمستشار الشرعي حديثه بقول الحق تبارك وتعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)، ومضمون التسريح بإحسان يتنافى مع الإساءة بين الزوجين؛ فالزوجان بينهما ميثاق غليظ وكسر هذا الميثاق جاء الشرع باحترامه على قساوته، حيث سماه تسريحاً بإحسان مع أنه أبغض الحلال، وهذا يفيد باحترام العشرة التي كانت بين الزوجين لقوله تعالى: (وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)، وبالتالي عدم إساءة أحدهما إلى الآخر، وهذه الاحتفالات التي ظهرت في الآونة الأخيرة احتفالات توزع فيها بطاقات الدعوة، كما بطاقات الزواج غريبة على المجتمع المسلم ولم تكن معروفة على مر الزمن لا من الناحية الشرعية ولا من ناحية العادات والتقاليد، فالأولون يحترمون الأسس التي تقوم عليها المجتمعات ولا يبتدعون فيها، وفي اعتقادي بأن قيام المطلقة بمثل هذه الاحتفالات هو ناتج عن حقد دفين ووضع نفسي سيء وهذا لا يسوغ لها التعدي بمثل هذه التجاوزات الشرعية والمجتمعية.
العشرة الزوجية
ويبين الدكتور نهار بن عبد الرحمن العتيبي الاستاذ المشارك بجامعة شقراء سابقاً: أن طلب المرأة الطلاق من غير سبب مشروع هو مما يوقعها في الإثم وغضب الله - عز وجل -، وقد ورد في ذلك وعيد شديد فعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أيُّمَا امرأةٍ سألت زوجَها طلاقًا في غيرِ ما بأسٍ فحرامٌ عليها رائحةُ الجنةِ». رواه أبو داود وصححه الألباني.
وهذا يدل على أن الأصل هو بقاء العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة حتى وإن حصل فيها بعض المشاكل التي لا يكاد يخلو منها بيت من البيوت. والواجب على الرجل والمرأة أن يحافظا على بقاء الأسرة ويحافظا على العلاقة الطيبة والمودة والرحمة التي جعلها الله تبارك وتعالى بينهما، وأن يتغافل كل واحد منهما عن الزلات والهفوات رجاء ما عند الله سبحانه وتعالى، فالرجل مأمور بالإحسان إلى زوجته كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «خَيرُكم خَيرُكم لأهله، وأنا خَيرُكم لأهلي». رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني، كما أن الواجب على المرأة أن تحسن عشرة زوجها امتثالاً لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي قال: «إذا صلَّتِ المرأةُ خَمْسَها، وصامَت شهرَها، وحصَّنَتْ فرجَها، وأطاعَت زوجَها، قيلَ لها: ادخُلي الجنَّةَ مِن أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شِئتِ». رواه الطبراني وصححه الألباني.
ويضيف الدكتور نهار العتيبي أن هذه المعاني الجميلة تحث على أن يحرص الزوج والزوجة على حفظ الزواج والسعي بكل وسيلة لاستمراره وبقائه وأن لا يسعى أحدهما للطلاق إلا إذا استحال العيش بينهما أو عجز كل منهما عن إقامة حدود الله.
والاحتفال بحدوث الطلاق لاشك أنه خطأ ومعارض لما أراده الله - عز وجل - وله تأثير عكسي على كل من الزوج والزوجة، وكذلك الأبناء الذين لا ذنب لهم فيما يحصل بين الرجل والمرأة، والاحتفال بحدوث الطلاق هو في حقيقته تشجيع على هدم الأسرة التي هي أساس أي مجتمع من المجتمعات وعندما تنهدم الأسرة ينهدم المجتمع ويصبح مجتمعا بلا قيمة ولا روح ويقل الأبناء في ذلك المجتمع بل ربما كان ذلك تشجيعاً بطريقة غير مباشرة على معصية الله واللجوء إلى طرق غير الزواج، وهذا يخالف ما أمرنا به نبينا من السعي للزواج الحلال، والحرص على إكثار الأبناء لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلودَ، فإني مُكَاثِرٌ بكم الأنبياءَ يومَ القيامةِ). رواه النسائي وحسنه الألباني رحمه الله تعالى.
بدعة جديدة
ويؤكد الدكتور أحمد بن حمد البوعلي مدير مركز أفلاذ لتنمية الطفل بالمنطقة الشرقية، وإمام وخطيب جامع آل ثاني أن الإسلام أباح الطلاق والخلع، ووضع لهما ضوابط شرعية لئلا يتحولا إلى طريق للانتقام المتبادل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فقال الله تعالى في شأن الطلاق والخلع: (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). (229) سورة البقرة.
ولكن الاحتفال بالطلاق أو الخلع فكرة دخيلة على مجتمعنا الذي يرى أن مؤسسة الأسرة - رغم ما فيها من بعض الخلافات الزوجية - هي الملاذ الآمن للرجل والمرأة، ولهذا جعل الله الزواج آية من آياته، فقال سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (21) سورة الروم، والاحتفال بالطلاق أو الخلع - سواء كان القائم بذلك امرأة أو رجلاً - من العادات الغريبة التي غزت بعض المجتمعات المسلمة وهى سنّة سيئة، وقد نهانا الإسلام عن اتباع السنّة السيئة التي حمّل وزرها، ليس لمن يقوم بها فحسب، بل لمن يدعو أو يروج لها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده؛ من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء». بل قال الله ولا تنسوا الفضل بينكم.
ويضيف الدكتور أحمد البوعلي قائلاً: وعلى الرغم من أن الإسلام أباح الطلاق والخلع كحل شرعي في حال استحالة العشرة بين الزوجين فينبغي علينا الترويج لكل ما يحافظ على كيان الأسرة وليس هدمها، فما بالنا إذا رأى الأطفال أمهاتهم وآباءهم يحتفلون بانفصالهم، فهل يصبح هؤلاء أسوياء مستقبلاً أو يحرصون على قيام أسرة مستقرة؟ والدليل على النهي عن إقامة مثل هذه الاحتفالات:
ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله: «صوتان ملعونان: صوت عند نعمة، وصوت عند مصيبة»، وقد ورد في الحديث عند أبي داود في سننه: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» فهل يحتفل بشيء يبغضه الله تعالى؟
والاحتفال شرعه الله تعالى للزواج والبناء، فلا يكون للطلاق والهدم، فتلك بدعة على غير هدي دين الإسلام، والمرأة المطلقة ترجو من الله تعالى أن يوفقها لزوج صالح، فلتطلب ما عند الله تعالى بطاعة الله سبحانه.