خالد بن حمد المالك
ما كان للأوضاع في بعض دولنا العربية أن تكون بهذا السوء، لولا هذا النفخ الإعلامي المتواصل الذي يدفع بالمواطنين إلى التظاهر، والخروج إلى الشارع في مشاهد دامية، وتشجيعه على تخريب كل ما يصلون إليه من مبانٍ حكومية، ومؤسسات تجارية، ومنجزات كلف إنجازها من خزينة الدول الكثير من المال، فضلاً عن الجهد والعمل والوقت الذي تطلبه ذلك.
* *
هذه القنوات العربية هي من أفسد الحياة في بعض دولنا، وهي من أجج الصراعات بين شرائح المجتمعات، نفسها من شق عصا الطاعة وعدم الالتزام بالقانون والنظام، وحدها لا غيرها من يتحمل مسؤولية هذه الفوضى التي تضرب مصالح الناس، وتبقيهم على فوهة بركان من الدماء وقتل الأبرياء.
* *
شاهدوا الصور المروعة في السودان والعراق وليبيا واليمن وغيرها، وما تتبناه هذه القنوات من تشجيع للمظاهرات المليونية، وسباق وتنافس بينها على الأسبقية في نشر صور الدماء والدمار بالتفاصيل والأرقام على حساب أجساد المواطنين الملطخة بالدماء، ممن نجوا ولم يكونوا ضمن أعداد القتلى، فكيف بمن ماتوا بفعل هذا الإعلام الغبي.
* *
صحيح أن مواقع التواصل الاجتماعي ليست بريئة مما يجري من تخريب وتدمير وقتل في كثير من الدول، لكن هذه المنصات ليست موضع الثقة والتأثير مثلما هي القنوات التلفزيونية، وربما لا تحمل أجندة مرسومة في التعامل مع هذه الظواهر البائسة، بقدر ما تحمله قنوات عربية يفترض فيها أن تمثل الصوت الإعلامي العاقل الذي يتحاشى إيقاع المواطنين العرب بمثل ما نراه الآن، فيما يجب أن تكون رسالتها تجريم مثل هذه الأحداث المخربة والدموية.
* *
وماذا تفيد دولنا مثل هذه المظاهرات، وإلى أين ينتهي بها المطاف، غير فقد عدد من الأبرياء، وتخريب الكثير من المنشآت، وجعل هذه الدول خارج نطاق الأمن والأمان، وخارج قدرة السلطات الأمنية على بسط سيطرتها على الأوضاع، ما ينذر بإفلاسها، وفشلها كدولة، واستمرار أزماتها المأساوية.
* *
وبطبيعة الحال، ومن المؤكد فإن بعض الدول الأجنبية تشجع على هذه الفوضى في دولنا، وتدفع بها إلى الاستمرار، دون مراعاة لما تسببه من أذى للمواطنين، وخراب لمقومات الحياة في دولهم، بحجة حرية الإنسان في التعبير عن رأيه، وأن هذا حق مشروع للمواطنين، مع أن هذا الحق يسقط إن لم يكن سلمياً، وما نراه لا يندرج ضمن مفهوم ممارسة الحريات دون عنف.
* *
إنها مؤامرة دولية على دولنا، ويقع إعلامنا العربي بغباء فريسة لنقل هذه الصور المشوهة عن الحالة في دولنا العربية وبين مواطنينا، ما يجعل العقلاء منا أمام مسؤولية رفض هذه الممارسات، وإدانتها بأشد العبارات، والطلب من المواطنين ألا يقعوا في شراك هذه المؤامرة، وأن يتجنبوا هذا الفخ الذي ينصبه الأعداء للإيقاع بأمتنا، دون مراعاة أو شعور بالمسؤولية نحو ما يجري فيها من أعمال غير مبررة في أغلب الحالات.
* *
ومن باب التمنيات ليس إلا، أتمنى من الإعلام العربي، وتحديداً من القنوات التلفزيونية، أن تتجنب المساهمة في دفع المواطنين العرب إلى المظاهرات والعصيان، وكل ما يسبب الأذى للمواطنين، والخراب لدولهم، وأن يكون ما فات من تغطيات إعلامية محفزة للإخلال بالأمن دروساً يُستفاد منها في الحاضر والمستقبل.