مرحباً بكم معاشر القرَّاء الأكارم أهلاً وسهلاً..
عرفتُه وما عرفتُه، وجهلتُه وما جهلتُه، إداريٌّ بارع متقن رائع، عطوف شافع نافع رافع، يمحض النُّصح ويبذل الفضل، وينكر ذاته بل يحرقها، يعطي ولا يأخذ، يبذل ولا يطلب، حييٌّ خلوق مفضال شفوق، مخموم القلب، صدوق اللسان، نقي السَّريرة.
يفيض على زائره ومراجعه فيض مشاعره، تعتليه أريحيَّة العطاء والبذل، وبهجة الاستقبال والاحتفاء، كلُّ ذلك وفوقه قد لاحظته -ولاحظه غيري من زائريه- فيه إبَّان عمله وكيلاً في كليَّة اللغة العربيَّة لشؤون الدِّراسات العليا في كليَّة اللغة العربيَّة بجامعة الإمام محمَّد بن سعودٍ الإسلاميَّة.
كان ناصحاً مخلصاً يبتدر طالب الدِّراسات العليا بتذكيره ما له وما عليه ممّا يجهله من مستحقَّات واستحقاقات من الأنظمة، وطالب الدِّراسة العليا يجهل كثيراً من ذلك، ويخفى عليه منها ما ليس بالقليل؛ لأنَّه ميدان جديد بكلِّ حيثيَّاته يدخله الطَّالب، لكنَّ وجود د. ناصر يختصركلَّ ذلك بأن يرغب إلى الطَّالب أن يحذف كذا، أو يسجِّل كذا، أو يعدِّل كذا، أو يطلب كذا، أو يقدِّم كذا ويؤخِّر كذا، وهو يحرص على المتابعة والتَّتميم والتَّحقيق، ويتابع تطوُّرات الطَّالب العلميَّة في دراسته، ولمَّا أن يلتقيه يذكِّره بأنَّه بقي عليه من الوقت كذا وكذا على مرتبة الشَّرف الأولي، ومن الوقت كذا على مرتبة الشَّرف الثَّانية، ويحرِّصه على أنَّ يتحصَّل على الأولى، ومن مثل ذلك ممَّا هو من الحدب والإشفاق على طالب الدِّارسات العليا، ومن مِقَته بالطَّالب وعطفه عليه أن يقدِّم مصلحة الطَّالب على مطلوبه وينشغل للطالب ولا ينشغل عنه، ويحرص أن ينال أعلى الرُّتب ويحصل على الدَّرجات والميزات، كلُّ ذلك يفعله من غير ما يطلبه الطَّالب منه أو يسأله عنه، لكنَّما هو طاهر القلب زكيِّ النَّفس فهو مَن يبادر ويقول، ويوجِّه ويرغِّب فيه.
وكذا كانت حاله وصفاته حينما انتقل إلى عمادة الدِّراسات العليا بالجامعة وكيلاً لها، فهو لم يترك سجاياه تلك ولا طبيعته النَّقيَّة ولا خيمه الحسن، وأعدُّه منقطع النَّظير ولا أظنُّ له شبيهاً إلَّا ما يحكى من قصص الأوائل، أقول ذلك قاطعاً؛ لأنَّ ما يفعله لزوَّاره ومراجعيه ليس من النَّوافل ولا من نوافل النَّوافل، بل هي من نوافل نوافل النَّوافل.
ومن سماته ودقائق أفعاله دقَّة معرفته بالطَّالب وسرعة استحضاره لبياناته وقد مرَّت عليه منهم أعداد وأفواج، فإذا لاقى طالب الدِّراسة العليا ذكر ما له وما عليه، وهو يتابع أخباره العلميَّة وتطوُّراته الدِّراسيَّة، وفوق ذلك هو على معرفة تامَّة بالأنظمة، فالطَّالب إذا حزبه أمرٌ من الأنظمة يرجع إليه، ورؤساء الأقسام يرجعون إليه، وعميد الكليَّة يرومه مستوضحاً مستبصراً، وكان كذلك حتَّى بعد مغادرته الكليَّة وانتقال عمله إلى العمادة، فإذا احتدم الخلاف واشتجرت الآراء في تطبيق نظامٍ أو في بيان استحاقٍ رُجع إليه في حسم الأمر، وهولا ينفك يساعد مَن يطلبه، ولا يمتنع من ذلك أو يعتذر، بل عنده إحصاء وعلم بكلِّ موقع عمل به، وإتقان عجيب ودقَّة متناهية بلا مثيل فيما أعلمه، وتجده عندما تأتيه تطلب أمراً يخرج معك من مكتبه وأمره في ذلك سواء يوم أن كان وكيلاً للكليَّة وبعدما كان وكيلاً للعمادة يخرج معك إلى مكتب المسؤول أو الموظَّف الَّذي عنده خدمتك أو معاملتك، فتراه وهو يراجعه باسمك وبدلاً منك، ويناقشه نيابةً عنك، بل يوجهه للتَّصرف إذا لم يكن قد عمل ما كان وجهه به من قبل، ولا يتركك إلى أن تحصل على مطلوبك، وتأخذ منه مرغوبك، بلا ضياع وقت ولا تفريط زمن بل ذلك في دقائق سريعات، فإن حصلت على مقصدك وإلَّا وجَّهه وطالب الموظَّف أن ينهي كذا وكذا وأن يأتيه بها، وصحبك معه إلى مكتبه، وما هي إلَّا دقائق فإذا عملك ناجزٌ، وليس من أمره أن يوجهك إلى الموظَّف الفلانيِّ، ثُمَّ تختفي أنت عنه وهو عنك، بل هو كما قلته آنفاً يخرج معك ويقضي لك حاجته بكلِّ يسر وسهولة وسرعة وسماح خاطر، فإن كان الأمر فيه نقص يخبرك من البداءة بذلك، من أنَّ أمرك ينقصه كيت وكيت، وبقي عليه عرضٌّ على المجلس الفلانيِّ، فلا تخرج من عنده إلَّا مطمئناً مرتاحاً غير وجلٍ ولا متشكِّكٍ، بل بخاطر مُبهج وأمر مُنهج.
وهو متعه الله بالصَّحة ومتَّعه بالعافية تكالبت عليه أمراض وتعاقبت عليه أوجاع أنهضه الله منها ومنَّ عليه بالصَّحة وألبسه لباس العافية أدَّت به إلى أن أقدم على طلب التَّقاعد المبكِّر من قسمه قسم النحو والصَّرف وفقه اللغة أحد أقسام كليَّة اللغة العربيَّة بجامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلاميَّة، وقد خسر القسم بتقاعده عضواً متميزاً فعَّالاً مؤثِّراً، وانتقص القسم بخروجه علماً من أعلامه ذا وزن ثقيلٍ في تخصُّصه، فقد كان أستاذاً نحويَّاً ذا شأنٍ عمل في تدريس النَّحو في شتَّى كليَّات الجامعة، وأشرف على رسائل علمية وناقش منها عدداً على كثرة شواغله وأعماله، ومع وفرة وكثرة مشاغله لا تجد عنده فتور ولا نكوص من حضور جلسات القسم والمشاركة والمناقشة وإبداء الرَّأي، فقد كان حاضر الذَّات والرَّأي، فهو مشارك دائماً قي أعمال المجلس، فقد قرأها وفحصها ومحص الرَّأي فيها، فإذا أبدى قولاً كان قوله هو القول، وإن أسدى رأياً أو اقتراحاً كان ذلك الرَّأي والاقتراح نضيحاً، وذلك مع كثرة أعماله في الوكالتين إذ دأبه ومذهبه واحدٌ.
واليوم الدُّكتور: ناصر كريري يرقد على السَّرير الأبيض مذ شهور يشكو حرَّ الآلام، وتحراق الأوجاع، وهو مؤمن لا يتزعزع صابرٌ موقن بما كتبه الله، يكظم النَّفس بالآلام يتجرَّعها كظيظةً علقماً، ولكنَّه يريغ عليها بحسن الظَّنِّ بالله، وكثرة الحمد لله بالذِّكر للشَّافي سبحانه إنَّ ربي لطيف بعبده، والبلاء على قدر الإيمان غير أنَّ عافية ربي أوسع وأخير، خالص الدَّعوات وصادقها لسعادته أن يمنَّ عليه سبحانه وتعالى بالشِّفاء العاجل، وأن يلبسه ثوب الصَّحة والعافية جرَّاء ما بذل وأعطى، ونصح وأسدى، ومنح وتفضَّل، وكفاء ما يسَّر ما تعسَّر، وفك من معضلات المشكلات الَّتي اعترضت سبل طلَّاب وطوالب الدِّراسات العليا.
ود. ناصر رجلٌ من أهل الخير والدِّيانة والتُّقى، هذا ما أحسبه فيه وما أعلمه عنه، وإنَّ المؤمن التَّقيَّ ليبتلى وعلى قوَّة الإيمان يزداد البلاء غير أنَّ عافية ربي أوسع له، غير أنَّ العافية أوسع، وفي الآثار أنَّ ما يصيب المؤمن هو تمحيص وزيادة خير وأجرٍ، أسأل الله جلَّت قدرته وتوالت سابغ مننه أن يمنَّ بفضله ولطفه إنَّه سبحانه ذو لطفٍ خفيٍّ وبعبده الصَّالح حفيٌّ، اللهمَّ إنَّ عبدك الصَّالح ناصراً الكريريِّ قد كربته الآلام، وترادفت عليه الأوجاع والأسقام اللهمَّ أفض عليه فيوض رحمتك، وامنن عليه بعافيتك، اللهم املأ أديمه جسده عافية، اللهمَّ صبَّ عليه البرء صبَّاً، اللهمَّ أنغشه من موجعه، وأنعشه من مطرحه، وأنهضه من معثره، اللهم انشره من سريره ممتلئاً صحةً وعافية، قد أبدلت بسقمه صحةً، وبمرضه شفاءً، وببلائه عافيةً يا ربِّ يا ربِّ، وإنَّني أرغب إليكم ملحَّاً معاشر القرَّاء عموماً، ومَن له فضلٌ عليه خصوصاً من طلاب الدِّراسة العليا أو مَن عمل معه أو زامله أو صحبه، وإلى كلِّ من يعرفه اهتبال هذا المقال والضَّراعة والابتهال إلى الله العليِّ القدير، اللطيف الخبير، الشَّافي البرِّ الرَّحيم، ذي المنِّ والطَّول والفضل أن يمنَّ عليه بالعافية، وأن يشفيه، وأن يرفع عنه ما أصابه من هذا البلاء، وترادف الأوجاع، وتتابع الأسقام إنَّ ربي جواد كريم، برٌّ متفضِّل رحيم.
متَّع الله الإداريَّ الأثير النَّحويَّ القدير: د. ناصر بن محمَّد كريري بالصَّحة ومنَّ عليه بالشِّفاء العاجل، وألبسه لباس العافية، وأمتعنا الله وذويه وطلاب العلم بمهجته ومحيَّاه مشافى معافى، وأطال في عمره ويسَّر له كلَّ عسير، وفكَّ كربه وأزال الضُّرَّ عنه، وبارك له في عمله وعمره، وجزاه الله خيراً لقاء ما قدَّم في سني عمره المديدة للعلم وطلاب الدِّراسات العليا أهله ومَن يرجوه ومَن يأتيه، جزاءَ العلماء العاملين والأساتذة النَّافعين، وأن يرفع شأنه، ويعلي مقامه إنَّه جواد كريم، برٌّ رحيم. والحمد لله ربِّ العالمين.
ودمتم في رعاية الله وحفظه معاشر القرَّاء.
** **
د.فهيد بن رباح بن فهيد الرَّباح - كليَّة اللغة العربيَّة / جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلاميَّة
fhrabah@gmail.com