د.محمد بن عبدالرحمن البشر
قتلت الاستخبارات الأمريكية زعيم القاعدة الظواهري في منزله الكائن بالحي الدبلوماسي في مدينة كابل الأفغانية، فقد أطلقت طائرة دون طيار صاروخًا عالي الدقة على بعد ثمانية كيلومترات من الهدف المقصود، وأصابت هدفها بدقة متناهية، حيث كان الظواهري في شرفة منزله، ولم يكن معه أحد في ذلك الوقت، وهذا يعني أن هناك معلومات استخبارية دقيقة لدى الاستخبارات الأمريكية أتاحت الفرصة للوصول إلى الهدف المقصود دون أن يتضرر من ذلك أحد سوى زعيم القاعدة، ولم يكن على الأرض في تلك اللحظة من الجانب الأمريكي أحد، لكن ربما أن هناك قريبًا من مكان الحدث ممن يتعاون مع الاستخبارات سواء من الداخل أو من الخارج.
الظواهري الذي تخصص في طب العيون لكي يعالج عيون البشر، حتى تستطيع الإبصار، ومعرفة الطريق، ترك ذلك العمل النبيل، ولجأ إلى طريق آخر غير سوي، يعمي به قلوب السذج من البشر، ليكون له أتباع، يقتلون من حولهم بغض النظر عن دينه وجنسه ولغته، فهم يقتلون الناس في المساجد والكنائس والمعابد، وفي الأسواق، وفي السيارات وفي كل مكان على هذه البسيطة. والظواهري وأتباعه يكفرون الزعماء والشعوب ورجال الدين، ويرون أن لا أحد سواهم عن الحق المستقيم، ولم يلتفتوا قط إلى تغيير ذلك النهج، فذهب نتيجة لذلك أعداد هائلة من البشر والممتلكات. الظواهري ظاهرة من ظواهر السوء، وقائد من قادة الإفساد والتضليل، وسفك الدماء في المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأمريكية، ومصر، وإفريقيا، وآسيا، وأوروبا، وكل دول العالم لم تسلم من إجرام هذه المنظمة الإرهابية شديدة الخطورة التي يقودها الظواهري، والعالم أجمع حاول ويحاول القضاء عليها، وعلى فكرها، وقنص قادتها أينما وجدوا وحلوا، ولن يتوقف العالم السوي عن تتبع خطواتهم حتى يتم القضاء عليهم قضاء لا عودة بعده، وهو في ذلك يستخدم كل الأدوات المتاحة لديه.
قتل الظواهري بعد أن فرخت قاعدته الإرهابية عددًا من الأتباع مثل حركة الشباب في الصومال، والقاعدة في مالي، والقاعدة في اليمن، وغيرها كثير من دول العالم، ورغم الجهود العظيمة والكبيرة التي بذلها العالم أجمع، وعلى رأسه المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة أمريكية، فإن القضاء عليها قضاء مبرمًا يتطلب مزيدًا من الوقت والجهد، لكن ما تم تحقيقه على المستوى العالمي يعتبر إنجازًا كبيرًا ومهمًا.
لعل التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات، والحد من التمويل، ومطاردة الممولين وعقابهم، ومنع إيوائهم، وتتبع أخبارهم أبرز العوامل التي حدت من نشاطهم، ولا شك أن العالم أصبح لديه خبرة في مكافحة الإرهاب بشتى صوره، ومحاصرة الدول التي تتبناه، أو تموله بطريقة أو بأخرى، وقد تم تفكيك شبكات كثيرة، وما زلنا نسمع بين الفينة والأخرى اكتشاف شبكة هنا أو هناك، وحماية البشرية من شرها.
قتل زعيم القاعدة الظواهري، لكن الفكر ما زال باقيًا، وإن كان تبنيه من قبل الشباب أصبح أقل مما كان عليه في سنوات مضت، بسبب الجهود المبذولة في تنوير العقول، وتصحيح المفاهيم، والأخذ بيد الشباب إلى الطريق السوي، والمنهج القويم، والبعد عن حملة أفكار الضلال، والداعين إلى منهج التكفير، والإيهام بمستقبل أفضل، مستغلين ما يواجهه الشباب من ضغوط اجتماعية، واقتصادية، وغيرها، في دول شتى من إفريقيا وآسيا وأوربا.
يبدو أن العالم أصبح قادرًا على الوصول إلى زعماء القاعدة، والمؤثرين، بوسائل أكثر كفاءة، وأفضل تخطيطًا، وأكثر جدارة، كما يظهر أن القاعدة في كل مكان أخذ يعتريها الوهن والضعف بسبب الضربات المتلاحقة عليها وحصارها، وسهولة اختراقها، والحد من قدراتها، وتبصر المنتمين إليها ورجوع بعضهم إلى المسلك القويم، حيث أصبح من اليسير الوصول إلى البرامج والمعلومات التي تؤدي إلى تصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة، التي يحاول زعماء الضلال زرعها في نفوس الشباب.
هناك دول - والحمد لله - استطاعت القضاء على القاعدة ومشتقاتها من المجموعات الإرهابية، حتى لم يعد بها بؤر لمثل تلك الأفكار المضللة، وعلى رأس تلك الدول المملكة العربية السعودية، ودول الخليج، وأيضًا دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وكثير من دول أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية، وتبقى إفريقيا تعاني من بعض البؤر الإجرامية الإرهابية، في أكثر من دولة، وهي في حاجة إلى تضافر الجهود العالمية في هذا المضمار ليكون العالم أكثر أمنًا، واستقرارًا.
قتل زعيم القاعدة الظواهري، وسيقتل من سيأتي بعده من الإرهابيين، ولن يقوم للإرهاب قائمة إن شاء الله مهما كلف الثمن، وسيكون العالم أكثر أمنًا، من ناحية الإرهاب، ويبقى عليه أن يجد وسيلة للحد من النزاعات والحروب بين الدول، فالأسلحة أصبحت أكثر فتكًا، بقدرات مدمرة، وهذا يحتاج إلى فلسفة أخرى غير القائمة الآن ليتم التعايش بين البشر في ظل سلام دائم.