د. عبدالحق عزوزي
قامت الصين بمناورات عسكرية استمرت لعدة أيام قرب جزيرة تايوان، حاشدة لها طائرات وسفنا حربية وصواريخ باليستية في سياق ما اعتبره محللون محاكاة لحصار تايوان واجتياحها، ويأتي ذلك ردًا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي للجزيرة؛ حيث أثارت زيارتها الأخيرة للجزيرة غضب بكين التي تعدها أرضًا صينية، والتي ردت بتجارب إطلاق صواريخ باليستية فوق عاصمة الجزيرة للمرة الأولى وقطع روابط اتصال مع الولايات المتحدة الأمريكية التي وصفت التدريبات بـ»التصعيد الخطير والاستفزاز غير المسؤول».
واعتبرت السلطات التايوانية في بيانها أن هذه المناورات «هي بمثابة محاكاة لهجوم ضد جزيرة تايوان الرئيسة». وهذا الخط الأوسط الذي رسمته الولايات المتحدة الأمريكية إبان الحرب الباردة في وسط مضيق تايوان الذي يفصل الجزيرة عن بر الصين الرئيس لم يحظ يومًا باعتراف من بكين.
وأثارت هذه المناورات الضخمة المصحوبة بقرار بكين الانسحاب من حوارات ثنائية أساسية حول المناخ والدفاع مجموعة من ردود الفعل المستنكرة من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
وصرّح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من مانيلا بأن الولايات المتحدة الأمريكية «عازمة على التصرف بمسؤولية» لتفادي أزمة بعد الرد الصيني «غير المتكافئ بتاتًا».
ومن جهة أخرى، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريس أنه «من المستحيل» حل «المشاكل الأكثر إلحاحًا» على غرار الاحترار المناخي العالمي من دون حوار «فاعل» بين الصين والولايات المتحدة.
وتعد الصين تايوان مقاطعة انفصالية تعهدت باستعادتها بالقوة إذا تطلب الأمر كذلك، لكنّ مسؤولي تايوان يقولون إنه من الواضح أنها أكثر من مجرد مقاطعة، مشددين على أنها دولة ذات سيادة...
ولفهم ما يجري من أحداث متتالية بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السيدة نانسي بيلوسي إلى تايوان، ذرونا نرجع بالذاكرة إلى الوراء.
فأول المستوطنين المعروفين في تايوان هم قبائل أوسترونيزيان، الذين يُعتقد أنهم أتوا من جنوب الصين الحالية...وبعد أن كانت مستعمرة هولندية (1624-1661)، أضحت تايوان تُدار من قِبل أسرة تشينغ الصينية من 1683 إلى 1895... ثم إنه منذ القرن السابع عشر، بدأت أعداد كبيرة من المهاجرين في الوصول من الصين، وهؤلاء هربوا جميعًا من الأزمات الداخلية ومن ظروف الحياة الصعبة....
في سنة 1895، انتصرت اليابان في الحرب الصينية - اليابانية الأولى، واضطرت حكومة تشينغ إلى التنازل عن تايوان لليابان. وبعد الحرب العالمية الثانية، استسلمت اليابان وتخلت عن السيطرة على الأراضي التي أخذتها من الصين، وبدأت جمهورية الصين، باعتبارها أحد المنتصرين في الحرب، في حكم تايوان بموافقة حلفائها، أمريكا وبريطانيا.
ولكن في السنوات القليلة التالية اندلعت حرب أهلية في الصين، وهزمت قوات
ماوتسي تونغ الشيوعية قوات الزعيم آنذاك تشيانغ كاي شيك.
هرب تشيانغ وبقايا حكومة ما يعرف بـ(الكومينتانغ) إلى تايوان في عام 1949 وجعلوها مقرًا للحكومة، بينما بدأ الشيوعيون المنتصرون حكم البر الرئيس باسم جمهورية الصين الشعبية.
وعندما أضحت العلاقات بين الصين وتايوان جيدة في الثمانينيات، طرحت الصين صيغة تُعرف باسم «دولة واحدة ونظامان» تمنح بموجبها تايوان استقلالية كبيرة إذا قبلت إعادة توحيد الصين؛ وهذا النظام يحيلنا إلى ما تم تطبيقه في هونغ كونغ لإغراء التايوانيين بالعودة إلى البر الرئيس؛ ولكن سرعان ما رفضت تايوان العرض.
ثم إنه في عام 1991، أعلنت تايوان انتهاء الحرب مع جمهورية الصين الشعبية في البر الرئيس.
كانت هناك أيضًا محادثات محدودة بين الممثلين غير الرسميين للجانبين، لكن إصرار مسؤولي الصين على أن حكومة جمهورية الصين التايوانية غير شرعية، تسبب في عدم إمكانية عقد الاجتماعات بين الحكومات...
إذًا هذا ملخص التاريخ بين الصين وتايوان، ونفهم من خلاله تداعيات زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان، وهي شخصية محورية في المعسكر الديمقراطي ومقربة من الرئيس بايدن، كما أنها من أعلى المسؤولين في الدولة الأمريكية ولها وزن في الحياة السياسية... وزيارتها غير المسبوقة تجعلنا نقر بأنه على الرغم من التصريحات المطمئنة من المسؤولين الأمريكيين والموجهة لنظرائهم الصينيين، فأمريكا بدأت تخرج عن سياستها السابقة والقائمة على التريث إن لم نقل «الغموض الإستراتيجي» والذي كان يقوم على الاعتراف بحكومة صينية واحدة وهي سلطات بكين مع الاستمرار بتقديم دعم حاسم لتايبيه.