أ.د.عثمان بن صالح العامر
التهويل في أبسط تعاريفه: الإفراط في الوصف والحكم، يتجلى ذلك في المدح بوصفه الوعاء للتعظيم، وضد التهويل التهوين المرتبط بالذم والتحقير. وهما على العموم وجهان لعملة واحدة، يعتمدان على العاطفة لا العقل، ويشكلان مؤشرًا خطيرًا لما نحن عليه، ليس فكريًًا أو أخلاقيًا فحسب بل هما في الحقيقة القاعدة الأم لعلاقاتنا بكل ما حولنا، فعلى أساسهما تُبنى وشائجنا الاجتماعية، وتقوم صلاتنا بالغير، كما أن تصورنا للمستقبل، وتعاملنا مع الحاضر، وقراءتنا للماضي مرتكزات جملة وتفصيلاً على نظرتنا المتزنة المنصفة للأشياء والأحداث والأشخاص، والتهويل والتهوين يلغيان هذه النظرة العقلانية الواعية، ويشوهان الزمن في أذهاننا. ومع أن هذا الداء العضال شاع في أحاديثنا الخاصة منها والعامة للأسف الشديد، سواء أكان هذا الحديث عن الأشخاص أو المواقف أو الأحداث أو المنتجات أو المناسبات أو الخطابات أو المناطق والدول والمنتجعات، مما ينم عن غياب الموضوعية والانحياز وعدم العدل والإنصاف، إلا أن أكثر من يمارس التهويل في عالم اليوم مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، معززين تهويلهم القولي بالصور المحسنة، والمقاطع الرائعة المختارة بعناية فائقة، وتدخل تجميلي معتمد. وقريب منهم المحللون السياسيون والاقتصاديون خاصة المصفدين منهم بانتماءاتهم الحزبية أهل الأهواء والميول العدائية (الطابور الخامس) الذين يعشقون النفخ في الأحداث، وتوظيفها لخدمة مصالحهم الذاتية، ومن ثم تسطير تاريخ من ورق في كتاباتهم التوثيقية، وتغريداتهم اليومية، إضافة إلى زرع الثقة في قيادتهم المزعومة من أجل إقناع الأتباع (غوغاء العامة) بهم، بل كسب الغير لهم والتأثير عليهم، وضمان ولائهم للجماعة وانتمائهم الحقيقي للحزب إن هم استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. ومن بين صور التهويل ذات البعد الواحد (أن البعض منا يبالغ أحيانًا في تضخيم المشكلة التي تواجهه ويهولها حتى كأنه لا حل لها، وبناءً عليه لا داعي للعمل لأن هذه المشكلة فوق الحل، أو يبالغ في تهوينها حتى كأنها لا تحتاج إلى حل ولا إلى علاج لأنها هينةٌ سهلة، وهذا التذبذب نتيجة طبيعية لعدم استقرار النفس واعتدالها في الحكم على الأشياء، ونتيجة هذه النظرة غير المتزنة، تهوينية كانت أو تهويلية، على صاحبها سلبية طبعًا).
وأخطر من هذا من يتعدى أثر القول المهول أو المهون الذات المهونة أو المهولة ليؤثر على الآخرين ويضر بهم ويلغي التوازن المعرفي لديهم (ذات الأبعاد المتعددة)، ومن ذلك التسويق للمنتجات، والترويج للبضائع في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث الثناء المفرط، وكيل المديح، وتوظيف جميع كلمات التشويق والإغراء من أجل استمالة المستهلك (المرأة والرجل، الصغير والكبير) ودغدغة مشاعره، وسوقه للشراء بما يشبه الجبر، وهذا من التهويل الذي يسلب البركة، ويغرر بالعميل، وهو مما نهى عنه الشرع في مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الْبَيِّعانِ بالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا، فإنْ صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لهما في بَيْعِهِما، وإنْ كَذَبا وكَتَما مُحِقَ بَرَكَةُ بَيْعِهِما). وطبعًا السنابي في العالم الافتراضي ممثل للبائع في هذه الحال محل الحديث.
ما أجمل الاتزان في القول، والتوسط في الوصف، والإجمال في الحديث، وجعل العقل هو المعول عليه لا العاطفة التي تتأثر بمعسول الكلام، ويغريها البريق، ويتصرف بها الهوى. وإلى لقاء والسلام.