تطرقنا في مقال سابق لأهمية الأثر، وأنه محط اهتمام العاملين في جميع القطاعات، ومن مستهدفات رؤية المملكة 2030، وفي هذا المقال ومقالات لاحقة بإذن الله سنتطرق إلى أبرز الإشكالات التي تواجه القطاع غير الربحي في تحقيق الأثر الأعمق والمستدام، حيث تتعدد الإشكالات وتتنوع بتنوع العوامل المؤثرة، وكون الأثر اجتماعياً فهو يلامس جميع المتغيرات في المجتمع، والتي لا يمكن ضبطها والتحكم فيها بسهولة، فضلاً عن افتقارنا للبيانات الدقيقة والصحيحة؛ لقصور أدوات الرصد، وقصور تحليلها تحليلاً سليماً مراعياً جميع المتغيرات التي تلامسها، وهذا بدوره ولّد خللاً في تشخيص المشكلات أو التحديات؛ مما أثّر سلباً على تصميم الحلول وتنفيذها واستدامتها.
اختلاف توجهات المانحين أو المتبرعين والاحتياجات الفعلية للمجتمع، هو إشكال آخر يعيق تعظيم الأثر؛ وذلك إما بسبب ضعف تسويقنا للمشاريع والبرامج ذات الأثر الأعمق والمستدام، أو لأننا مأسورون بالنتائج السريعة على مستوى الأفراد والمنظمات غير الربحية، وتأسرنا تقارير الأرقام الكبيرة وتبعث لدينا ارتياحاً كبيراً؛ بينما قد لا نكون حققنا شيئاً يذكر، وهذا بدوره نتج عن إشكال آخر وهو تبعثر الجهود وعدم تكاملها، والمشكلات الاجتماعية تحتاج حلولاً متكاملة شاملة، تعالج المشكلة من جميع جوانبها، وتتضافر الجهود من جميع المنظمات غير الربحية المعنية لتقوم كل واحدة بدورها في إطار تعاوني تكاملي شامل، ومن أكثر الإشكالات تأثيراً من وجهة نظري هي تركيزنا على الوسائل أكثر من تركيزنا على الغايات، فتجد بعضنا ينشغل بتوجهات حديثة أو قديمة وتكون محط اهتمامه ويغفل عن الغاية منها، وما الآيزو والجودة والتميز المؤسسي والابتكار الاجتماعي أو الاستثمار الاجتماعي إلا أدوات ووسائل لتحقيق غايات أعظم، وما زيادة أعداد المنظمات غير الربحية، وزيادة أعداد المتطوعين إلا وسائل لتحقيق غايات أكبر، وتركيزنا على الوسائل يجعلنا نغفل عن الغايات مما يضعف دور تلك الوسائل في تحقيق الغايات المرجوة.
وفي ختام هذا المقال أجدها فرصة لتقديم مقترح إلى المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي بقيادة حراك التغيير في القطاع غير الربحي كما أحدثت رؤية المملكة 2030 تغييراً جوهرياً في المجتمع، وذلك برصدٍ دقيق للاحتياجات التنموية والتحديات، وبشراكة فاعلة مع الجهات الحكومية ذات العلاقة، ومنظمات القطاع غير الربحية والمجالس، والخروج برؤية -كرؤية2030- خاصة بالقطاع غير الربحي تحدد توجهاته، وتسهم في تكامل الجهود وتضافرها لتحقيق الأثر الأعمق، وتكون بوصلة استرشادية للمتبرعين والمانحين ومنظمات القطاع غير الربحي، ومن خلالها يتم رصد الأثر المرجو تحقيقه في المجتمع، وهذه الرؤية تعد نموذجاً مصغراً لرؤية المملكة وتتناغم مع غاياتها الكبرى، لعلنا أن نحدث الأثر المنشود والمستدام لمجتمعنا الغالي.