اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
ولا يحق لأحد أن يفرض قيمه على غيره، مهما اعتمد عليه من وسائل واتبع من أساليب والممارسات والعادات التي تنظر إليها أمريكا والدول الغربية بأنها قيم ينظر إليها المسلمون بأنها من موجبات النقم ومزيلات النعم، ومن الصعوبة بمكان تقبلها من قبل الغالبية حتى لو رفع دعاتها شعار حقوق الإنسان والحريات الشخصية وغُلفت بالملذات الفاسدة والمغريات الكاسدة.
والأمن والتنمية لا ينفك أي منهما عن الآخر، ولن تتحقق التنمية في غياب الأمن والشراكة الناجحة ذات التوجهات الصالحة لها مردود أمني مشترك يتيح للشركاء التفرغ للبناء والتنمية والإعداد والاستعداد للمستقبل بعيدا عن الابتزاز والتصرفات التي يغلب عليها النشاز وتدعو إلى الاشمئزاز.
وسياسة القوة وقوة السياسة يدعم كل منهما الآخر بما يخدم الأمن في مفهومه الشامل الذي يتخذ أبعاداً متداخلة ويستند إلى قوة متكاملة تشكل القوة العسكرية الركيزة الأساسية فيها، وبناء هذه القوة يتطلب شراكة خارجية لا تطعن في الظهر ولا تخذل الشريك وقت الحاجة عن طريق الضغوط والتدخلات التي تزيد من حاجته وتنال من سيادته.
ومن ثوابت المملكة شكر النعم التي حباها الله إياها، ومن هذه النعم نعمة الطاقة، وشكرها هو استخدامها كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي وعلى ما ينبغي دون أي تدخل خارجي أو إملاءات من أحد، وبالنسبة للأزمة القائمة بسبب الصراع في أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا فإن المملكة تتعامل معها من عدة منطلقات، أولها القدرة والإمكانية، وثانيها من خلال أوبك زائد وثالثها عبر الحياد الإيجابي ورابعها حسب الحاجة العالمية ذات النظرة الواسعة التي تستند إلى قاعدة مبدئية مشروعة.
والحرب العبثية الدائرة في اليمن يعد إيجاد نهاية لها من الثوابت بالنسبة للمملكة، وذلك وفقاً للمرجعيات الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني اليمني وقرار مجلس الأمن 2216 مع ضمان أن ينأى اليمن بنفسه عن إيران وينضم إلى جواره الخليجي ومحيطه العربي.
والمملكة حريصة على إنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي طبقاً لحل الدولتين ومبادرة السلام العربية بما يتفق مع الأسس المعترف بها دولياً معتبرةً أن أمن منطقة الشرق الأوسط واستقرارها مرهون بحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً ينهي الصراع ويضمن الأمن والسلم للطرفين.
والمملكة ترى في سلوك إيران والجماعات التابعة لها خطراً على أمن المنطقة واستقرارها، وحصول إيران على السلاح النووي يجعل المنطقة والعالم على كف عفريت مما يتطلب منع هذه الدولة المارقة من الحصول على هذا السلاح الذي يعني حصولها عليه سجن المنطقة في سجنها وجعلها فريسة لإرهابها ومكاناً صالحاً لتصدير ثورتها.
ومكافحة الإرهاب من الثوابت بالنسبة للمملكة والشريك الأمريكي رغم أنه يتغنى بمكافحة الإرهاب ومطاردته في كل مكان إلا أنه يرتكب الجرائم باسمه ويتخذ منه ذريعة لتحقيق مطامعه وبلوع مآربه، كما يتعامل مع الجماعات الإرهابية بمعايير مزدوجة تبعاً لأهدافه ومصالحه دون أن يراعي موقف شريكه وما يتعرض له من اعتداءات بالصواريخ والمسيرات.
ورغم ما تعرضت له الشراكة السعودية الأمريكية من اهتزازات وشابها من شوائب في زمن أوباما والإدارة الأمريكية الحالية فإن الطرف الأمريكي في قمة جدة تعهد بعودتها إلى سابق عهدها وقطع على نفسه الوفاء بالتزاماتها مع التأكيد على التراجع عن سياسة فك الارتباط الأمريكي بالمنطقة والعودة إليها للدفاع عن أمنها وحماية المصالح المشتركة فيها.
وبالطبع فإن الزيارة وما تخللها من قمم أعادت إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعض مكانتها المفقودة في المنطقة على مختلف الأصعدة الدفاعية والأمنية والاستخبارية على ضوء استعداد الرئيس الأمريكي للعمل الجماعي مع دول مجلس التعاون والدول العربية الأخرى ضد أي تهديد خارجي بالإضافة إلى تأمين حرية الملاحة في الممرات والمضائق البحرية ضمن إطار شراكة استراتيجية تكفل أمن دول الخليج وتدعم التكامل الإقليمي.
وانطلاقاً من أن العلاقات في المنطقة تتم عبر المنافسة بعيدة المدى وخاصة في مجالات الأمن والتجارة والتكنولوجيا فإن قمة جدة بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية كان من نتائجها توقيع الكثير من العقود والصفقات التي تزيد على ثماني عشرة صفقة وتشمل اتفاقيات في الطاقة والاتصالات والفضاء والصحة والاستثمار وكلها مغلفة بغلاف أمني وتصب لمصلحة رؤية 2030.
ومن نتائج قمة الأمن والتنمية أن الدول العربية المشاركة فيها التي يقال عنها بأنها دول معتدلة استحقت أن توصف بأنها الدول الفاعلة لأنها جمعت بين الاعتدال والفاعلية من خلال بيان القمة الذي يمثل محطة انطلاق ونقطة بداية لمشروع عربي لم ير النور منذ زمن بعيد.
وقادة المملكة من أبناء عبدالعزيز وأحفاده الذين تعاقبوا على الحكم كابر عن كابر وخلف عن سلف وصولاً إلى الحكم الرشيد في العهد الجديد، كلهم يعملون لخدمة الدين ومصلحة الشعب والوطن وعلى يقين تام بأن لزوميات السيادة والإرادة الحرة لا تسمحان لكائن من كان أن يتخذ من المملكة سلماً يصعد عليه أو مطية يمتطيها لكي يكسب انتخاباته أو يواجه خصومه ويُفعّل عقوباته أو يجعلها تتنازل عن مبادئها أو تتنصل عن مسؤوليتها تجاه قضايا أمتها أو يحدث شرخاً في علاقة المملكة مع أصدقائها وشركائها من الدول الأخرى.
وفي الختام فإن الدفاع عن الأوطان وحماية أمنها القومي ومصالحها العليا تستدعي من الدولة الاعتماد على قوتها الذاتية والجمع بين سياسة القوة وقوة السياسة مع سلوك الطريق الصحيح الذي يؤدي إلى الهدف واستخدام المنطق الفصيح والصريح المقرون بالعمل عند التعامل مع الأصدقاء والشركاء بعيداً عن الوعود الكاذبة والأمنيات الخائبة باسم السياسة.