د. إبراهيم بن جلال فضلون
لا يزال الإنسان يناطح أخاه على أساس قول الروائي الأميركي مارك توين: «إن التاريخ لا يعيد نفسه، لكنه القافية»، أي أنه لكنه غالباً ما يسير على إيقاع متشابه، يتكرر عبر التاريخ، ولكنها ليست بنفس الصوت الماضي وطريقته تماماً، مُعتقداً أن الماضي يبدأ وينتهي إليه، ليكون تكرار الذكريات عشوائية يدور في فلكها حتماً، وكأن المثل القديم تارك توقيعه (يخلق من الشبه أربعين)، بل أكثر وألعن فما زالت الصراعات والتقاتل متوارثة منذ القدم على الأراضي والذهب والجاه والنسب، وهو ما يبدو ظاهراً الآن في الصراع العالمي الدائرة رحاها بقارتي أوروبا وآسيا، في أكبر الأحداث الجيوسياسية حالياً، وهو ما يُشبه صراع القُوى الكُبرى، قبل أكثر من 100 عام، قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، وتكرارها قبل الحرب العالمية الثانية، وهي نفس فكرة الانسجام في التاريخ لهنري كيسنجر «تشابه في المشاكل التي تمت مواجهتها عبر التاريخ، الدول تنشأ بينما تفشل دول أخرى، وتنهار الديمقراطيات» في الديكتاتوريات، كالأنظمة الشيوعية والاشتراكية أو كما حدث للحرب السوفييتية في أفغانستان وتكرارها مُؤخراً بين الأمريكان وطالبان، أو كالصين وروسيا وصراعهما مع قوى الغرب وأميركا ليتكرر شبح تكرار التاريخ على إيقاع متشابه يهدد البشرية، بنيران العلمانية والحرب الأوكرانية، وزيادة الدين والتضخم والأزمة الغذائية، وغيرها، بينما ما زالت قضيتنا الفلسطينية مشتعلة، ولا يزال القهر الصيني لمسلمينا، والهند وغيرهما كثير، فهل ينجو العالم من حرب مدمرة مقبلة؟ بدلاً من حروب الوكالة التي خلقت خطر التصعيد الدائم، كزيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، لتايوان في آسيا.
إن قوافي التاريخ هي «قوانين التغطية» تتكرر بأحداثها مع مرور الوقت، ولكن في هيئة سنوات من الغموض في ظل انهيار الثقة بين الأنظمة التي تترك البشرية في فراغ، تولد أنظمة جديدة، فمثلاً يقول المؤرِّخون عن الحركات الاستعمار الملعونة قديماً وظلت عالقة وستظل بذكرياتنا: «إنها كجزء مهم من التاريخ، قد ظهرت وامتد نشاطها العدواني إلى أكثر من مكان، ثم تلاشت تدريجياً بفضل الكفاح الوطني، وحاولت العودة فلم تتمكن إلاَّ بعد أن أخذت شكلاً آخر سمّاه المؤرِّخون بالاستعمار الجديد».
هو سؤال قديم جديد تكاثرت الإجابات عنه، وأجمعت أغلبية هذه الإجابات على موقف واحد يؤكد أن التاريخ لا يعيد نفسه، قد تتكرر بعض من ملامحه القديمة في الواقع الجديد، إلاَّ أنها سريعاً ما تُمحي، لكنني أُؤكد أن التاريخ نهر لا يعرف التوقف، بل بحرُ يُحب الزيادة ولو تكرر ما بباطنه حلوه ومره، خيره وشره، فلا ولن يكف عن التغيير، وكذا الإنسان بأرضه التي أثبتتها حركة التاريخ حول مواقع الكرة الأرضية الدائرية مقابل تسجيل وقائع البشر، وكأن الفراعنة قد علمونا طرائق التسجيل على الأحجار ومعابدهم لنجد التاريخ ببطئه يُكرر نفسهُ ولو باختلاف الأشخاص وزمان ومكان الأحداث بتحولاتها ومناخاتها.