دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلةٌ له
إنَّ الحياةَ دقائقٌ وثواني
فارفع لنفسك بعدَ موتكَ ذِكرها
فالذكرُ للإنسان عُمرٌ ثاني
الإنسان حينما يخلو بنفسه ويخلد للراحة في جو يسوده الهدوء والسكون فإنه قد يأذن لشريط الذكريات تلقائيًا بأن يتحرك وتدور عجلاته مستعرضًا ما كان مضمرًا في طياته من ذكريات جميلة يأنس بها خاطرة، وتلذ بها نفسه، كحالي مع الأستاذ الكريم عبدالرحمن القاضي الذي سعدنا بمعرفته منذ عقود طويلة من الزمن أثناء مراجعتنا إدارة التعليم بنجد، أيام كُنت مديرًا لمعهد المعلمين في حريملاء مع إشرافي على المرحلة الابتدائية والمكتبة العامة، مطالبًا ببعض ما نحتاج إليه من كتب المقررات الدراسية وبعض الأثاث من المستودعات وخلاف ذلك من متطلبات، ونجد من الأخ الفاضل (أبي إبراهيم) كل تجاوب وإنجاز في صرف ما نحتاج إليه، حيث كان مسؤولاً في إدارة التعليم مراعيًا ظروف من يأتي خارج الرياض، فهو - يرحمه الله - مرن في كل أعماله، لما يتمتع به من حنكة ودراية ومن خلق كريم وأدب جم رفيع:
وأَحسَنُ الحالاتِ حالُ اِمرِئٍ
تَطيبُ بَعدَ المَوتِ أَخبارُهُ
يَفنى وَيَبقى ذِكرُهُ بَعده
إِذا خَلَت مِن شَخصِهِ دارُهُ
وكانت ولادته في مدينه عنيزة عام 1349هـ، ونشأ وترعرع في أحضان والديه ومع لدَّاته، وبعد بلوغه السابعة من عمره ألحقه والده بأحد الكتّاب لتعليم القرآن الكريم مع مبادئ الفقه والتوحيد والكتابة، وذلك عند الشيخ عبدالعزيز بن محمد الدامغ ثم عند الشيخ عبدالعزيز الصالح الدامغ إلى أن أكمل قراءة القرآن الكريم. وبعد افتتاح المدرسة السعودية في عنيزة عام 1356هـ قُبل ضمن السنة الثانية الابتدائية، وواصل الدراسة فيها إلى السنة الخامسة، وبعد ذلك انتقل إلى جدة، وذلك لظروف خاصة، وأكمل المرحلة الابتدائية من المدرسة السعودية بجدة عام 1365هـ، وبعدها أكمل المرحلة المتوسطة فيها، ثم عاد إلى عنيزة ملتحقًا بالمعهد العلمي إلى أن نال الشهادة الثانوية منه عام 1377هـ، وقد عمل معلمًا بمدرسة البدائع «الفيصلية» لمدة ثلاث سنوات، ثم مديرًًا لها من 12-6-1369هـ إلى 1-2-1376هـ، بعدها انتقل إلى الإدارة العامة للمعاهد والكليات من تاريخ 11-9-1378هـ إلى 15-5-1379هـ كاتبًا فيها. وأتم المرحلة الجامعية من كلية العلوم الشرعية عام 1381هـ، ثم انتقل للعمل في وزارة المالية مراقبًا فوكيلاً للصادر العام ثم محققًا شرعيًا لمصلحة معاشات التقاعد إلى30-7-1382هـ، بعد ذلك انتقل إلى عنيزة مديرًا لمعهد المعلمين من 1-8-1382هـ إلى 30-3-1384هـ، وحصل على دورة البرنامج العام للإدارة المتوسطة لمدة ستة أشهر من معهد الإدارة العامة بالرياض، ثم عُين بعد ذلك مديرًا للإدارة بمنطقة نجد التعليمية من 1-11-1384هـ إلى 25-11-1386هـ، وبعدها عُين مديرًا عامًا للتعليم بمنطقة الرياض حتى عام 1393هـ، وانتقل إلى الإدارة العامة للتفتيش الإداري حيث شغل كبير المفتشين إلى 30-6-1393هـ، ثم نقلت خدماته إلى وزارة المالية حيث شغل وظيفة مدير إدارة التفتيش بالوزارة، ثم مساعدًا لمدير عام المقررات والقواعد إلى تاريخ 30-6-1405هـ، حيث طلب الإحالة إلى التقاعد المبكر بعد ما بلغ مجموع خدماته ما يقارب ثلاثة وثلاثين عامًا، كما أن له مشاركات اجتماعية حيث شارك في تأسيس الجمعية الخيرية الصالحية بعنيزة، وكان عضوًا في مجلس إدارتها إلى عام 1410هـ، ومساهمًا في جمعية أهالي عنيزة، وتم تكريمه بدرع في حفل الجمعية من قبل أمير منطقة القصيم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر وذلك عام 1432هـ، وكل أعماله محمودة، وذكرياتنا جميلة معه لا تغيب عن البال مدى الأيام والأعوام. وقد توفي رحمه الليوم الأربعاء تاريخ 24-6-1443هـ، وتمت الصلاة عليه عصر الخميس في جامع الراجحي بالرياض ثم ووُرِيَ جثمانه الطاهر في مقبرة النسيم. تغمد الله الفقيد بواسع رحمته ومغفرته وألهم أبناءه وبناته وأسرة القاضي ومحبيه الصبر والسلوان.
فيا أسفى لجسمك كيف يبلى
ويذهب بعد بهجته سَنَاكَا
** **
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف