فضل بن سعد البوعينين
عبر وزراء الطاقة في منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» وشركاؤهم المستقلون في «أوبك +» عن قلقهم على توافر إمدادات النفط الكافية إلى السوق، لتلبية الطلب المتزايد فيما بعد 2023، بسبب عدم كفاية الاستثمارات، في قطاع التنقيب والإنتاج. وهو قلق تعززه البيانات الدقيقة لحجم الطلب الحالي، وتوقعات النمو المستقبلية مقارنة بحجم الإنتاج. لا خلاف على أن ضعف الاستثمارات في قطاع التنقيب والإنتاج يحد من توافر الطاقات الإنتاجية الفائضة، كما أن المخاطر الجيوسياسية، وعمليات الاستهداف الإرهابية لحقول النفط ومعامل التكرير والفرز تحد من إمدادات النفط ومشتقاته وتحجبها عن الأسواق. نتائج متوقعة لفرضيات تحولت مع مرور الوقت إلى واقع محسوس، يدركها الجميع، وتتجاهلها دول الغرب الماضية في رؤيتها المتحيزة ضد النفط.
ملف التغير المناخي من الملفات المؤثرة سلبًا على تدفق الاستثمارات لقطاع التنقيب والإنتاج. هناك توجه عالمي للحد من انبعاثات الكربون، وهو أمر جيد، تؤمن بأهميته الدول المنتجة وتعمل على تحقيق متطلباته بعدالة تأخذ في الحسبان أهمية الطاقة الأحفورية واستحواذها على الجزء الأكبر من مزيج الطاقة الحالي والمستقبلي من جهة، وضرورة خفض الانبعاثات الضارة من خلال برامج عملية لحماية البيئة من جهة أخرى. غير أن بعض المتطلبات البيئية لا تخلو من التحيز ضد النفط، وكأنها موجهة ضد الصناعة النفطية والدول المنتجة. لا يخلو ملف التغير المناخي من النوايا السيئة والأهداف الانتهازية، إضافة إلى التخبط، والتناقض في تحقيق أهدافه المعلنة. عودة بعض دول أوروبا لاستخدام الفحم تحت ضغط تداعيات الحرب الروسية كشفت عن تناقضهم الصارخ في التعامل مع ملف التغير المناخي، وتقديم مصالحهم على الشعارات البيئية التي انهارت أمام أول اختبار حقيقي على أرض الواقع.
التحيز ضد النفط والدول المنتجة بات يؤثر سلبًا على نزاهة ملف التغير المناخي، ومتطلبات حماية البيئة، وهو ما يثير قلق الدول المنتجة، ويحد من ضخ الاستثمارات في قطاع الإنتاج ما ينذر بحدوث أزمة إمدادات مستقبلاً.
التحول السريع وغير المدروس للطاقة النظيفة، وسن تشريعات تؤثر سلبًا على الصناعة النفطية، من أسباب ضعف الاستثمارات في قطاع الإنتاج، كما أنها من الأسباب الظاهرة لأزمة الطاقة، التي يرفض الغرب الاعتراف بها.
مجلس الشيوخ الأمريكي أقر يوم أمس خطة جو بايدن بشأن المناخ التي تبلغ قيمتها 370 مليار دولار، وتهدف لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 40 في المئة بحلول عام 2030. ومن الغريب أن يكون الحديث منصبًّا على المكاسب الانتخابية للحزب الديمقراطي، لا المكاسب البيئية التي ستحققها الخطة!
تحول ملف التغير المناخي وأسعار النفط إلى أداة انتخابية في يد الأحزاب المتنافسة، ووسيلة ضغط على الدول المنتجة، بعيدًا عن مضامينه البيئية المزعومة.
بالرغم مما تفعله المملكة لضمان إمدادات الطاقة من خلال تدفقاتها الاستثمارية الضخمة في قطاع الإنتاج، وتبنيها برامج بيئية نوعية، وعملها الجاد للوصول إلى الحياد الصفري، إلا أنها ستبقى متهمة في نظر الغرب عمومًا، والولايات المتحدة على وجه الخصوص.
تسييس ملف الطاقة والتغير المناخي لن توقفه بيانات أوبك+ العقلانية والصريحة، ولا الحقائق الدامغة التي يعلمها العامة قبل المختصين في الصناعة النفطية، ما يستوجب التعامل معه وفق استراتيجية جديدة قادرة على فضح نفاق الغرب، وكشف مخططاتهم، وتضارب سياساتهم، واستغلال ساستهم ملف التغير المناخي، ثم العمل على إعادة توجيه الاستثمارات النفطية نحو قطاع الطاقة المتجددة، وصناعتها الحديثة، وبرامج تنموية محققة للتنمية الاقتصادية ومعززة للتنوع الاقتصادي بعيدًا عن القطاع النفطي الذي لن ينجو من مؤامرات الغرب.