د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح
أذكر أني كنتُ في وفد من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية للقاء صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله في مكتبه في وزارة الداخلية, وكان اللقاء بعد المغرب, وامتد حتى سمعنا أذان العشاء, فما هو إلا أن جاء رجل كبير سنٍّ عليه مشلح قد أكل عليه الزمن وشرب, ففتح باب مجلس الأمير! ليُؤذِنه بالصلاة, فقال له الأمير: أبشر جزاك الله خيراً, ثم استمر الكلام قليلاً, فما هو إلا دخل الرجل مرة ثانية ليُعلم الأمير بالصلاة, فقام الأمير رحمه الله مباشرة وقمنا معه وذهبنا للمصلى.
تأمل -رحمك الله- هذا الموقف, فإن وقت العشاء ممتد, وفي مبنى حكومي, وليس هناك جماعة تفوت, بل نحن جماعة, ومع ذلك بعد الأذان بدقائق معدودة جاء الرجل ليخبر الأمير, ثم عاد مرة ثانية بعد دقائق, والأمير لا يزيد أن يقول له: أبشر جزاك الله خيراً.
في هذا المجلس قصَّ علينا الأمير رحمه الله لقاءه مع بعض دعاة فتنة ومناقشته لهم, وأشار إلى أماكن جلوسهم عنده, فكان مما قال الأمير لأحدهم: يا فلان ما أكثر أشرطتك ومحاضراتك! فهل تكلَّمتَ مرة عن السمع والطاعة ولزوم الجماعة أو تحدَّثت عن الدعاء لولي الأمر؟ يقول الأمير: فغضب الرجل وانتفخت أوداجه كأن المطلوب منه معصية!! قال الأمير: فتكلَّم رجل آخر في المجلس على شاكلة الأول ومنهجه قائلاً للأمير: الدعاء لولي الأمر سنة ليس بواجب!! فأجابه الأمير رحمه الله: والسنة ما تُتَّبع؟!
إن حراسةَ الدين, وسياسةَ أمورِ المسلمين, وكفَّ أيدي المعتدين, وإنصافَ المظلومين, وأخذَ الحقوق لأهلها, وجعلَها في مواضعها, صلاحٌ للبلاد وأمن للعباد, وقطعٌ لمواد الفساد.
والخلق لا تصلحُ أحوالهُم إلا بسلطان يقومُ بسياستهم, ويتولى أمر جماعتهم, فوجودُ الحاكم والسلطان من الضروريات, حتى قال الإمامُ أحمدُ رحمه الله: (الْفِتْنَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ إمَامٌ يَقُومُ بِأَمْرِ النَّاسِ), وقال: (لا بُدَّ لِلمُسلِمينَ مِنْ حَاكِمٍ أتذهَبُ حقُوقُ النَّاسِ).
وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله: (يَجِبُ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ وِلَايَةَ أَمْرِ النَّاسِ مِنْ أَعْظَمِ وَاجِبَاتِ الدِّينِ؛ بَلْ لَا قِيَامَ لِلدِّينِ وَلَا لِلدُّنْيَا إلَّا بِهَا), وقال: (وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّاسَ لَا يَصْلُحُونَ إِلَّا بِوُلَاةٍ، وَأَنَّهُ لَوْ تَوَلَّى مَنْ هُوَ مِنَ الْمُلُوكِ الظَّلَمَةِ لَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا مِنْ عَدَمِهِمْ، كَمَا يُقَالُ: سِتُّونَ سَنَةً مَعَ إِمَامٍ جَائِرٍ، خَيْرٌ مِنْ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِلَا إِمَامٍ... وَالنَّاسُ لَا يُمْكِنُهُمْ بَقَاءُ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ بِلَا وُلَاةِ أُمُورٍ، بَلْ كَانَتْ تَفْسُدُ أُمُورُهُمْ، فَكَيْفَ تَصْلُحُ أُمُورُهُمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِمَامٌ).
قال العز بن عبدالسلام رحمه الله: (لولا نصب الإمام الأعظم لفاتت المصالح الشاملة, وتحققت المفاسد العامة, ولاستولى القوي على الضعيف, والدنيُّ على الشريف).
وقد قال الخليفةُ الراشد عثمانُ رضي الله عنه: (إِنَّ اللهَ يَزَعُ بِالسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ). قال ابن كثير رحمه الله: (أَيْ: لَيَمْنَعُ بِالسُّلْطَانِ عَنِ ارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ وَالْآثَامِ، مَا لَا يَمْتَنِعُ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ بِالْقُرْآنِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ الْأَكِيدِ، وَالتَّهْدِيدِ الشَّدِيدِ، وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ), فَإِنَّ من الفسقةِ والمُنَافِقِينَ وَالْفُجَّارِ من لا يَنْزَجِرُ إلا بالسلطان, وَلِهَذَا كَانَ قِوَامُ الدِّينِ بِكِتَابِ يَهْدِي, وَسَيْفٍ يَنْصُرُ, كما قاله الإمام ابن تيمية رحمه الله, وَكَفَى بِرَبِّك هَادِيًا وَنَصِيرًا.
والسلطان والحاكم والملك وولي الأمر لا بد أن يُعرف له حقه الذي جعله له الشرع, وتناقله علماء الدين على اختلاف مذاهبهم الفقهية, قال ابن جماعة رحمه الله في كتابه تحرير الأحكام وهو يعد حقوق الحاكم: (الحق الرابع: أن يعرف له عظيم حقه, وما يجب من تعظيم قدره, فيعامل بما يجب له من الاحترام والإكرام, وما جعل الله تعالى له من الإعظام, ولذلك كان العلماء الأعلام من أئمة الإسلام يعظمون حرمتهم, ويلبون دعوتهم, مع زهدهم وورعهم وعدم الطمع فيما لديهم, وما يفعله بعض المنتسبين إلى الزهد من قلة الأدب معهم فليس من السنة... الحق التاسع: رد القلوب النافرة عنه إليه, وجمع محبة الناس عليه؛ لما في ذلك من مصالح الأمة وانتظام أمور الملة.
الحق العاشر: الذب عنه بالقول والفعل, وبالمال والنفس والأهل في الظاهر والباطن, والسر والعلانية).
وقال القرافي رحمه الله: (قاعدة: ضبط المصالح العامة واجب, ولا تنضبط إلا بعظمة الأئمة في نفوس الرعية, ومتى اختلف عليهم أو أهينوا تعذرت المصلحة).
ونص ابن حجر رحمه الله في كتابه فتح الباري أن السنة دلت على: (تعظيم الأمراء, والأدب معهم).
وأخرج ابن أبي عاصم, والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسبوا أمراءكم, ولا تغشوهم, ولا تعصوهم, واتقوا الله واصبروا».
ولما طعن رجل من أهل البصرة في أميره بقوله: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق! قال له أبوبكر -الصحابي الجليل رضي الله عنه-: اسكت! فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله» أخرجه الترمذي وحسنه.
وقال أبوالدرداء رضي الله عنه: (أول نفاق المرء طعنه على إمامه).
وقال أبو مجلز لاحق بن حميد رحمه الله: (سب الإمام الحالقة, لا أقول: حالقة الشعر, ولكن حالقة الدين).
وقال أبو إسحاق السبيعي رحمه الله: (ما سبّ قومٌ أميرهم إلا حُرموا خيره).
قال ابن عبد البر رحمه الله: (كانوا ينهون -أي السلف- عن سب الأمراء) .
روى الطبراني -كما ذكره العجلوني- عن الحسن البصري رحمه الله أنه سمع رجلًا يدعو على الحجَّاج بن يوسف الثقفي، فقال له: لا تفعل, إنكم من أنفسكم أُتيتم، إنما نخاف إن عُزِلَ الحجاج أو مات أن يتولى عليكم القردة والخنازير.
وذكر الشوكاني رحمه الله أن الواجب في حق المثبِّط عن الإمام (دفعه عن هذا التثبيط, فإن كفَّ وإلا كان مستحقاً لتغليظ العقوبة, والحيلولة بينه وبين من صار يسعى لديه بالتثبيط بحبس أو غيره؛ لأنه مرتكب لمحرم عظيم, وساع في إثارة فتنة).
وقد ذكر ذلك أهل العلم أن السابَّ للإمام, والقادح فيه مستحق للتعزير, قال ابن قدامة رحمه الله: «فإن سبوا الإمام عزرهم», وقال: (وإن سبوا الإمام... عُزِّرُوا).
قال ابن فرحون المالكي رحمه الله: «ومن تكلم بكلمة لغير موجب في أمير من أمراء المسلمين لزمته العقوبة الشديدة, ويسجن شهراً».
وما مضى يصدق على الساب بلسانه أو الساب بقلمه كمن يكتب في وسائل التواصل الحديثة عبر الإنترنت, فهذا يعامل كما يعامل المتكلم بلسانه, بل قد يكون الكاتب ضرره أشد من ضرر الناطق بلسانه, وكما قيل: القلم أحد اللسانين.
وإن من أعظم النصح لأئمة المسلمين وعامتهم, الدعاءَ لولاة أمرهم بالصلاح والمعافاة, فكلما صَلُحَ الراعي كَثُرَ الخيرُ في الرعية وصلحتْ أحوالُها.
قال النووي رحمه الله: (الدُّعَاءُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَوُلَاةِ أُمُورِهِمْ بِالصَّلَاحِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِالْعَدْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ).
وقد أخرج مسلم في صحيحه عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ».
وأخرج اللالكائي عن الفضيل بن عياض رحمه الله قال: (لَوْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ لَمْ أَجْعَلْهَا إِلَّا فِي إِمَامٍ؛ لِأَنَّهُ إِذَا صَلُحَ الْإِمَامُ أَمِنَ الْبِلَادُ وَالْعِبَادُ).
وأخرج الخلال عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: (أَرَى طَاعَتَهُ - أي الحاكم- فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالمَنْشَطِ وَالمكْرَهِ, وَإِنِّي لَأَدْعُو لَهُ بِالتَّسْدِيدِ، وَالتَّوْفِيقِ، فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالتَّأْيِيدِ، وَأَرَى لَهُ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيَّ), وقال: (وَإِنِّي أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدِيمَ تَوْفِيقَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ أَعَزَّهُ اللهُ بِتَأْيِيدِهِ... وأَنْ يَسْتَجِيبَ فِي أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ صَالِحَ الدُّعَاءِ، وَأَنْ يُتِمَّ ذَلِكَ لِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ أَدَامَ اللهُ عِزَّهُ, وَأَنْ يَزِيدَ فِي نِيَّتِهِ, وَيُعِينَهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ).
وقال البربهاري رحمه الله: (إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله).
وقال:(فَأُمِرْنَا أن ندعو لهم بالصلاح, ولم نؤمر أن ندعو عليهم, وإن ظلموا وإن جاروا؛ لأن ظُلْمَهم وجورَهم على أنفسهم, وصلاحُهم لأنفسهم وللمسلمين).
قال إسماعيل الصابوني رحمه الله في كتابه عقيدة السلف وأصحاب الحديث:(ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح).
وقال ابن رجب رحمه الله: (وَالدُّعَاءُ لَهُمْ بِالتَّوْفِيقِ وَحَثُّ الْأَغْيَارِ عَلَى ذَلِكَ) من النصيحة لهم.
وقال الطرطوشي رحمه الله: (فحقيق على كلِ رعيةٍ أَنْ ترغبَ إلى الله تعالى في إصلاحِ السلطان، وأن تبذلَ له نصْحَهَا وتَخُصَّهُ بصالحِ دعائها، فإن في صلاحِهِ صلاحَ العباد والبلاد، وفي فساده فسادُ العباد والبلاد).
وقال سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله: (الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات, ومن أفضل الطاعات, ومن النصيحة لله ولعباده... فالمؤمن يدعو للناس بالخير، والسلطان أولى من يُدعى له؛ لأن صلاحَهُ صلاحٌ للأمة، فالدعاءُ له من أهمِّ الدعاءِ).
فولاة أمر المسلمين بحاجة ماسة للدعاء لهم بالتوفيق والصلاح والمعافاة.
وقد كَتَبَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاباً إلى ولي الأمر في زمانه جاء فيه: (السلطان الذي ما رئي في هذه الأزمان سلطان مثله, زاده الله علماً وتسديداً وتأييداً).
وختاماً أقول: لقد منَّ الله علينا في بلادنا «المملكة العربية السعودية» بولاية عزيزة كريمة, قائمة بالتوحيد والسنة في نظامها وحكمها وقضائها, فالسنة ظاهرة في مجتمعها, والتوحيد قائم على أرضها, والأذان مرفوع, والصلوات مقامة, والزكاة تؤدى ويسعى عليها, والحج بشعائره ومشاعره لا يُؤمر أحدٌ فيه ببدعة بل يهدى إلى السنة, ويرشد إلى الخير, مع ما تبذله حكومة خادم الحرمين الشريفين من خدمة للحرمين وقاصديهما لم يشهد التأريخ لها مثيلاً مع توسعة واهتمام وعناية وأمن ورخاء وخير كثير فضلاً من الله ومنة.
وولي أمرنا ورأس هرمنا يلقب بخادم الحرمين الشريفين, فما أفخمه من لقب.
وعلومُ الشريعة تُدرَّس في جميع أنحاء بلادنا المباركة من قرى ومدن وهِجر على حد سواء على حسب أعمار الطلاب, من قرآن وتوحيد وفقه وحديث وتفسير وغيرها من العلوم النافعة, تطمئن على فلذة كبدك في ذهابه إلى محضن التعليم, وهذه نعمة عظيمة, ومنة من الله كبيرة.
وكل ذلك على منهجِ أهلِ السنة والجماعة المنهجِ السلفي الوسطي المعتدل, فلله الحمد والمنة, وجزى الله ولاةَ أمرنا خيراً وجعلهم للمسلمين ذخراً, وأمدهم بالتوفيق والتسديد والسلامة والعافية.
ثم ترى مع ما مضى ما بذله ولاة أمرنا من مساعدات للعالم كله, وعلى وجه الخصوص ما يعطى للمسلمين ولبلدانهم, بذلٌ كبير, ووقفات عازمة, وأيدٍ كريمة, وهذا فعل ولاة أمرنا من عقود, فلله دركم يا آل سعود.
قَوْمٌ لِمَاء المَعَالِي فِي وجُوهِهم
وَلِلْمَكَارِمِ تَصوِيْبٌ وَتَصْعِيْدُ
المُنْعِمُونَ إِذَا مَا لَمْ تَكُنْ نِعَمٌ
وَالذَّايِدُونَ إِذَا قَلَّ المَذَاوِيْدُ
أوفُوا مِنَ الفَخْرِ وَالعَلْيَاءِ فِي قُلَلٍ
شُمٍّ قَوَاعِدُهُنَّ المَجْدُ وَالجُّودُ
سُبْطُ اللِّقَاءِ إِذَا شِيْمَتْ مَخَايِلُهُمْ
سُبْلُ اللِّقَاءِ إِذَا صدَّ الصَّنَادِيْدُ
مُحَسَّدُونَ وَمَنْ يَعْقِدْ بِحَبْلِهم
حَبْلَ المُوَدَّةِ يَصْبِح وَهُوَ مَحْسُودُ
ولا يقال ذلك منَّة على أحد, بل ولاة أمرنا نحسبهم ممن يرجون الله والدار الآخرة فيما يبذلون لإخوانهم المسلمين من أعمال ومساعدات, لكن بعض من قلَّة مروءته, وضعفت ديانته يحسن أن يُذَكَّر بعمل أهل الفضل, وينبه على إحسان المحسن؛ لعله أن يعرف الفضل لأهله, ويتجرد عن صفات اللئام, وناكري الجميل.
إِنَّ الوَفَاءَ عَلَى الكَرِيْمِ فَرِيْضَةٌ
وَاللُّؤْمَ مَقْرُوْنٌ بِذِي الإخْلَافِ
وَتَرَى الكَرِيْمَ لِمَنْ يُصَاحِبُ مُنْصفًا
وَتَرَى اللَّئِيْمَ مُجَانِبُ الإِنْصَافِ
وإننا والله في هذا البلد لفي نِعَمٍ لا يحصيها إلا الله, نِعَمٌ دينية على رأسها التوحيد والسنة, ونِعَمٌ دنيوية لا حد لها.
ثم ولاة أمرنا -حرسهم الله- يفخرون بإسلامهم ومبادئهم وقيمهم النبيلة, ويعلنون ذلك للعالم أجمع, ومن آخر ذلك ما قاله صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد -حفظه الله ورزقه التوفيق والسداد والعافية- في قمة جدة للأمن والتنمية, إذ أخبر -حرسه الله- أننا لن نتخلى عنها, بإذن الله وفضله.
فمن حق ولاة أمرنا أن ندعو لهم بالصلاح والتوفيق والمعافاة, ونتقرب إلى الله بذلك, ونتقصد مواطن الإجابة طمعاً في إجابة الدعاء.
وقد حدثني الشيخ صلاح الدين عثمان أحمد حفظه الله أمين مكتبة سماحة عبدالعزيز بن باز رحمه الله الخاصة, أنه كان مع سماحته يوم عرفة على صعيدها, يقول: فرأيت سماحته وسمعته رحمه الله يدعو للملك فهد رحمه الله, ويمكث في ذلك وقتاً طويلاً جداً, ويُلِحُّ على الله بالدعاء, فكان يقتطع جزءاً كبيراً من وقته, في هذا الموقف يخص ولاة الأمر في المملكة بالدعاء ويذكرهم بأسمائهم, كما سمعته رحمه الله يدعو لعموم ولاة أمور المسلمين.
فرحم الله سماحة الشيخ عبدالعزيز وجزاه خير الجزاء وأوفاه.
فالدعاء لولي الأمر هو الذي أدركتُ عليه مشايخنا في مجالسهم الخاصة والعامة.
فاللَّهُمَّ وفق ولي أمرنا, وولي عهده لكل خير, وبارك اللهم في كل لحظة من لحظات أوقاتهم, وزدهم قوة إلى قوتهم, واجعل كل ذلك فيما يرضك, واعنهم ولا تعن عليهم, ومكِّن لهم, وارزقهم بطانة صالحة, وادفع بهم العاديات, ورد عنهم كيد الكائدين, ومكر الماكرين, واجعلهم عزاً للإسلام والمسلمين, واحفظهما بحفظك وعنايتك.
واجز الإمام محمد بن سعود وذريته عنا خير الجزاء, واغفر يا مولانا للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل وارفع درجته في المهديين, واجعله في صحبة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم, فإن له علينا فضلاً عظيماً, فيا ربنا أكرم نزله, واغفر لذريته, وللملوك من بعده, واجزهم خير الجزاء, واحفظ خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وأمدهما بالصحة والعافية, واكفهما ما أهمهما.
كتبتُ هذه الأحرف لا طمعاً ولا رجاءً, فالدنيا أسرع ذهاباً من ماء سُكِبَ في يوم صائف على أرض فلاة, وإنما كتبته بياناً لمعتقد أهل السنة والجماعة منذ عهد السلف الصالح إلى وقتنا, فالله ثباتاً على السنة حياة وموتاً.
أَرَى العُمْرَ كَنْزًا نَاقِصًا كُلَّ لَيْلَةٍ
وَمَا تَنْقُصِ الأَيَّامُ وَالدَّهْرُ يَنْفَدُ
** **
- عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء