كان الوالدان في ترقب وحذر، وتخوف وأمل.. ينتظران على أحر من الجمر ما تؤول إليه نتيجة الأبناء في الامتحانات وقد أُبرمت الوعود وزفت البشائر بالهدايا القيمة والرحلات الممتعة إذا كانت النتائج مرضية مشرفة، وأعلنت النتائج وبدأت الإجازة الصيفية، تلك الإجازة التي ينتظرها ملايين الطلاب والطالبات من أبنائنا وبناتنا ليستريحوا من عناء السهر والمذاكرة والذهاب يوميًا إلى المدارس والجامعات والمعاهد.. بينما لا تلقى في بعض الأحيان ترحيبًا أو فرحًا عند بعض البيوت حيث المعاناة والحيرة في كيفية شغل أوقات أبنائهم والتذمر من السلوكيات المزعجة والتحول المفاجئ في برنامج النوم والحياة في الأسرة. ومما لا شك فيه أننا حين نتحدث عن الإجازة فإننا نتحدث عن جزء من أعمارنا، ورصيد من أوقاتنا فالوقت هو الحياة، من عمره فإنما يعمر حياته، ومن قتلته فإنما يقتل نفسه!!
هذه الإجازة يتخللها سفر وترحال، وهناك اجتماع وتقارب، وهنا زواج وأفراح، وآخرون حيارى من الشباب ماذا يعملون؟ متى ينامون ومتى يصحون؟ وأين يذهبون ومن يصاحبون؟ كيف حالهم مع أوامر الله ونواهيه؟
وأعظم نعمة قد يغفل عنها الكثير إن لم يتناسوها أو يجعلوها وبالاً عليهم (الفراغ) الذي هو في حقيقته نعمة يُحسد عليها كثير من الناس الذين أرهقتهم الأعمال وأشغلتهم الدنيا عن إيجاد ساعة من الزمن يرفه فيها عن نفسه، أو يقضي فيها عبادة تقربه لربه. كذلك حرمها آخرون أقعدهم سرير المرض عن الاستمتاع بها فجاء حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- مبينًا ومنبهًا لهذه النعمة (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ).
شبابنا اليوم فكروا في كل شيء يمكن أن يقضوا فيه إجازتهم إلا فيما يقربهم إلى الله، ويرفهون عن أنفسهم بغير طاعة الله، يسافرون لكل مكان ويذهبون يمنة ويسرة، ويدفعون الغالي والثمين ويتعبون، كل ذلك من أجل إسعاد أنفسهم وشرح صدورهم، وإذهاب غمومهم وتفريج همومهم، وتالله ما في ذلك من عيب ولا منقصة، ولكن المشكلة والمصيبة أن تلك الأجسام التي تتعب في طلب الدنيا والترفيه عن النفوس كثيرًا ما تخون أهلها عند الطاعة وفعل الخير، وعادة ما تخذل أصحابها إذا طلبوها فيما فيه نجاتهم وفوزهم:
يا متعب الجسم كم تسعى لراحته
أتعبت نفسك فيما فيه خسران
أقبل على النفس فاستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
إنه لمن المؤسف أن نرى هذا الضياع الذي يعيشه الكثير من الناس في الإجازة، بل إن كثيرًا من المشاكل والسلوكيات السيئة بل الجرائم تزداد في أوقات الإجازة. وفي حوارات سريعة مع فئة من الشباب حول برامجهم التي قضوها في الإجازة كانت النتائج:
- السهر مع الأصدقاء في الكافيهات والمتنزهات والاستراحات خارج البيوت.
- الدوران من الساعة الـ8 مساءً إلى الـ10 صباحًا في الطرقات وبين المطاعم والبوفيهات.
- النوم ولعب السوني..
وهكذا عند الفتيات.. ففي استبيان أجري على مئة فتاة تراوحت أعمارهن بين 15 و24 سنة في المراحل المتوسطة والثانوية والجامعيات حول وجود التخطيط لقضاء الإجازة تبين:
- أن 60 % من العينة ليس بذهنهن أي مخطط لقضاء الإجازة الصيفية بينما 40 % لديهن مخطط يسعون إلى تنفيذه.
- وبسؤالهن عن كيفية قضاء الإجازة غلبت السلبيةُ على أغلب الإجابات:
- 50 % من الإجابات قالت إنه لا شيء محددًا تنوي فعله أو تفكر فيه وهي تعيش أيام الإجازة يومًا بيوم.
- 30 % قالت إنها ستسافر لتستمتع بالإجازة، ومنهن من قالت إنها ستقضي إجازتها في التسوق، وأخرى في المناسبات والأفراح، وبلغت نسبة من رغبن بالالتحاق بدورات علمية أو حاسب أو تعلم الطبخ أو نوادٍ صيفية 10 % من العينة فقط.
- أما بالنسبة للنوم في النهار والسهر في الليل أيام الإجازة فأجابت 46 % بأنهن يسهرن الليل وينمن بالنهار. و40 % قلن: إنهن ينمن بالليل ويجعلن النهار للاستمتاع والزيارات، و13 % قلن: أحيانًا نسهر الليل وأحيانًا ننامه.
هذه الإجازة تحتاج إلى أن يكون لدى كل أسرة تفكير لتنظيمها وشغلها بالمفيد والممتع، وأن تكون محصل علم اكتسبوه، أو آية حفظوها، أو مهنة أتقنوها، أو عمل أشغلوا أوقاتهم فيه وأكسبهم مالاً واعتمادًا على النفس.. وهذا لا يتنافى مطلقًا مع التسلية والانبساط في اجتماع وتقارب وسفر وتراحم وكل ما فيه خير من دون معصية أو لهو غير مباح.. أصلح الله لنا النية والذرية، ووقاهم شر أنفسهم والشيطان.
** **
- صفة كاتب المقال