د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
أعادت الحرب الروسية في أوكرانيا رسم سياسات الطاقة وأعادت أيضاً رسم سياسات المناخ، ففي اجتماع بون اجتمع الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ اجتماعها السنوي لمراجعة التزامات بخفض الانبعاثات وفق مقررات قمة غلاسكو المناخية، لطرحه على مؤتمر كوب 27 في قمة شرم الشيخ لكن اجتماع بون فشل في التوصل إلى اتفاق خصوصاً بخصوص اقتراح بشأن صندوق للتعويض عن المسؤولية التاريخية الذي تصر عليه الدول النامية عن الأضرار التي أحدثتها الدول الصناعية والمستعمرة في بيئة العالم خلال 200 سنة، وترك لقمة شرم الشيخ مناقشة مثل هذا الموضوع واتخاذ حوله القرار المناسب.
ما إن انتهت اجتماعات بون المناخية حتى عقد الرئيس بايدن منتدى الاقتصادات الكبرى حول الطاقة والمناخ أضاف إليها أهداف محددة سبق أن تقدمت بها السعودية أثناء قيادتها لقمة العشرين في 2020 وهي الوعد بتسريع تطبيقات التقاط الكربون وتدويره أو تخزينه وإدخال الهيدروجين النظيف خلال سنوات قليلة كعامل أساسي في مزيج الطاقة.
ليس فقط الولايات المتحدة، بل أيضاً الأوربيون يرون أن الاعتماد على روسيا كمصدر أساسي للطاقة أظهر عيوب النموذج الاقتصادي المعتمد على الغاز الرخيص، وهو بمثابة قصر نظر النخبة السياسية، بسبب اعتمادها على الكرملين، وأرادت أمريكا بهذه الحرب أن تثبت لأوروبا صحة نظرتها تلك، على ضوء ذلك تزايدت النزعة الاستقلالية والحسم لدى دول جنوب أوروبا، هو أيضاً إعادة لحسابات القوى التي قادتها ألمانيا في الاتحاد الأوربي منذ أزمة ذروة الأزمة المالية في 2008 عندما قدمت دعم مالي لدول الاتحاد مقابل التزام هذه الدول بإصلاحات هيكلية عمقت الركود الاقتصادي في جنوب أوروبا.
ما يعني تمرد على السلطة الأبوية الاقتصادية لألمانيا في الاتحاد الأوربي خصوصاً من جانب إسبانيا قد تؤدي في النهاية إلى وجود اتحاد أوروبي أفضل، فجنوب أوروبا لا تريد فقط الخروج من العباءة الروسية، بل أيضاً من العباءة الألمانية، حتى ألمانيا نفسها بدأت تشعر أن صنع في ألمانيا استند على أساس هش، وأن ألمانيا مترددة في الاعتراف بفشل سياستها تجاه روسيا، وهي باتت أيضاً قريبة من السعي إلى طلب المساعدة من الآخرين، ولا يوجد بديل أفضل من السعودية وهو بديل موثوق.
أصبح ملف الطاقة مشكلة أوربية، ويعكس هذا الموقف معاناة الدول الأوربية من ركود اقتصادي واسع النطاق بسبب تضخم التكاليف وارتفاع أسعار الغاز في بعض الأسواق الأوربية بنسبة تصل إلى 700 في المائة بعدما شددت العقوبات والمساومات قبضتها على الإمدادات بشكل كبير، أدت الضغوط نتيجة الطلب العالمي على الطاقة إلى تقديم جرعة حياة جديدة للفحم الحجري وهناك 20 محطة في الولايات المتحدة تعمل على الفحم.
فحرب أوكرانيا فرضت على قطاع الطاقة فوضى ستكون كارثية إذا استمرت لأنها قد تعطل التحول إلى الطاقة النظيفة، وستثير صدمة الطاقة في 2022 الكثير من التساؤلات حول قدرة الدول المؤثرة على إجراء تحول سريع في السياسات للتوفيق بين أمن الطاقة وأمن المناخ، وستستمر هذه الصدمة لأجيال.
رحبت أوروبا من أوسع أبوابها بزيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في وقت تعيش أوروبا حالة من القلق والاضطراب، تعتبرها زيارة أمل لإنقاذها على المدى القريب والبعيد، لتحويل اليونان إلى مركز للهيدروجين في أوروبا لتكون محطة رئيسية في صناعة الطاقة المستقبلية، حيث بدأت السعودية عبر مدنها الجديدة في نيوم في إنتاج الهيدروجين الأخضر والأزرق، وهما من مصادر الطاقة المتجددة، لأن الهيدروجين يستخدم الطاقة الشمسية للتوليد وجزءاً من الطاقة الأحفورية، لكن تعتبر طاقة نظيفة مستخلصة من هذين المصدرين، حيث وضعت السعودية نصب أعينها أن تصبح أكبر مورد للهيدروجين وهو وقود ينظر إليه على أنه محوري للحد من تغير المناخ، كما أن احتياطيات الغاز الطبيعي الكبيرة في السعودية تمكنها من إنتاج الهيدروجين الأزرق، وهو شكل من أشكال الوقود يتم إنتاجه عند إعادة تشكيل الغاز والتقاط ثاني أكسيد الكربون كمنج ثانوي.
السعودية على طريق الريادة عالمياً في الطاقة النظيفة كما في الطاقة الأحفورية، وتشارك في رسم معالم المستقبل الجديد للطاقة، وقد اختارت اليونان مركزاً تسويقياً فيما بعد، ومركزاً لإنشاء مصانع للطاقة الهيدروجينية بعد أن أغلقت أمامها فرص الاعتماد على الغاز الروسي، حيث التزمت السعودية أثناء زيارة بايدن لها بدعم توازن أسواق النفط العالمية من أجل تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.