حمّاد بن حامد السالمي
* كلّما وقفت على أثر من آثار الأولين البانين الأمجاد؛ تذكرت شطر هذا البيت الشعري ذي الدلالة الصارخة: (فانظروا بعدهم إلى الآثار)..!
* مَنْ هم..؟ هم أجدادنا المؤسسون المشاركون في بناء الحضارة الإنسانية. نجدهم أمامنا في كل قرية وجبل ومدينة في بلادنا العزيزة المملكة العربية السعودية، التي تمتد على جغرافية جزيرة العرب بين خليجنا العربي والبحر الأحمر. وهم أولئك الكبار؛ نجدهم في أقطار عربية شتى، في العراق والشام ومصر وشمالي إفريقيا.
* كيف نقيس حضارات الأمم، ونعرف درجة تمدنها عبر العصور؛ إذا لم ننظر إلى ما قدمت من مجهودات إنسانية، ونقف على ما أضافته من منجزات علمية، أسهمت بها في خدمة البشرية، وفي رخاء وإسعاد الإنسان أياً كان، وفي أي زمان كان. إن ما تتوفر عليه كثير من الأمم في هذا العالم؛ ومنها أمتنا العربية والإسلامية من آثار عمرانية وحضارية شتى، هو خير دليل على ما قدمته وأضافته وأسهمت به على مر عصورها في حضارة العالم أجمع.
* إننا نحن في وطننا هذا وفي عموم الوطن العربي الكبير؛ من تلك الأمم التي كان لها باع طويل في صنع حضارة العالم في أزمنة غابرة، ونملك من الأدلة والشواهد ما يعد كنزًا لا يقدر بثمن، فهل نعرف ونقدر ما نتوفر عليه من كنوز أثرية في مدننا وقرانا على خارطة التراب الوطني بكامله..؟
* إنه سؤال صعب للغاية، وحقيقة في هذا الجانب مرة.. ليس فقط نحن نجهل القيمة التي تمثلها آثارنا، ولكننا نجهل الكثير منها، بل ونزيد في جهلنا بعدوان صارخ على هذه الآثار، تدميرًا أو تشويهًا إلى درجة مؤسفة حقًا، تجعلنا غير جديرين بما عندنا من هذه الكنوز التاريخية والأثرية. العالم كله من حولنا يحترم آثاره، ويعطيها قدرها المستحق. وجد نص باليونانية لفيلسوف وشاعر وأديب يدعى (آرابيوس) يقول فيه: (أيها المار من هنا، كما أنت الآن، كنت أنا، وكما أنا الآن، ستكون أنت، فاستمتع بالحياة).
* على مدى نصف قرن وأكثر؛ وقفت على مئات من هذه الكنوز العظيمة، فكتبت وألّفت وصورت وحققت مرات عدة. وقفت على سدود أموية، وقلاع وحصون وقرى ومساجد ودروب وعيون ونقوش، وفعل غيري كثير من الباحثين في هذا الميدان، ولكن لا حياة لمن تنادي.. لا الوعي لدى الناس ارتفع، ولا الضمير المسؤول تحرك في اتجاه رصد هذه الآثار، والمحافظة عليها أولًا، ثم وضعها على خارطة الاستثمار المعرفي والاقتصادي ثانيًا. أتكلم هنا تحديدًا؛ على الطائف، المحافظة التي أعيش فيها، فلا أرى فيها أي تغيير يبشر بعمل جاد في هذا الجانب.
* ما يحز في النفس حقيقة؛ أنه لا يمر يوم في حياتنا، إلا ونفقد كنزًا من هذه الكنوز، إما بالهدم؛ كما يجري للقلاع والقصور التاريخية والحصون والسدود، وإما بالتشويه والطمس؛ كما يجري للنقوش والكتابات الحجرية، التي تغص بها مناطق عدة في بلادنا، وخاصة في جهات الطائف التي هي مكنز أثري كبير.
* إن آثار السيرة النبوية وحدها، والتي تتوزع بين المدن الثلاث: (مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والطائف)، تعد مفخرة عظيمة لهذه البلاد، ولما كان عليه الأجداد والآباء من فهم وإدراك، بحيث حافظوا على ما جاء في سيرة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، من ذكر لدروب وآبار ومساجد ومصليات وجبال وأودية وغيرها، فلم يمسوها بسوء، حتى وصلتنا؛ فاستلمناها عنهم بفهم سقيم، وتفكير عقيم، لا يرقى إلى ما تشكله من قيم كبيرة؛ دينية وتاريخية وحضارية، فأصبحت آثارًا مجهولة عند هذا الجيل، وتحول بعضها إلى هدف للطمس والهدم، أو تغيير أسمائها من جهلة ومغرضين، كما حدث بالطائف.
* ماذا تفعل الجهات المنوط بها هذا الجانب التاريخي والحضاري لبلادنا ومجتمعنا، الذي سوف تسألنا عنه الأجيال القادمة..؟! فنحن لم نحسن الحفاظ عليه وصيانته كما ينبغي، عوضًا عن استثماره معرفيًّا على أقل تقدير.
* متى نرى الجهات المختصة بالآثار؛ وقد وصل موظفوها في الطائف؛ إلى مواقع السدود الأموية، ودروب الحجيج، والمساجد التاريخية، والحصون الشهيرة، والقرى التراثية، ومواقع النقوش الصخرية، ثم تعرفوا عليها، وفتحوا الطرق الموصلة إليها، ونصبوا اللوحات الدالة عليها، وحموها من التشويه والعدوان، وجعلوها في برامج سياحية لمن يزور الطائف من ضيوف ووفود لا يعرفون منها سوى مساجد قليلة في المثناة..؟ متى..؟
* بوسعنا أن نخدم آثارنا كما ينبغي، حتى تكون دالة علينا بما يسر، شاهدة لنا لا علينا. قال الشاعر:
هذه آثارهم تدل عليهم
فانظروا بعدهم إلى الآثار