عبده الأسمري
ترتهن الرواية لتداعيات مختلفة في قلب الأحداث وقالب الأحاديث واضعة التساؤلات في «كفة» والمساءلات في أخرى ..فتظل خاضعة للنقد الموضوعي والذاتي وفق مقاييس النقاد ومعايير المراقبين ..وتمر بمرحلة من التشخيص والشخصنة وتبقى رهينة لرؤى غامضة وألغاز خفية تبقى مفاتيحها في يد المؤلف وأسرارها في قلب الأديب ..
على مدى سنوات طويلة تقاسمت روايات شهيرة لأدباء كبار مثل طه حسين ونجيب محفوظ والطيب صالح وواسيني الأعرج وأحلام مستغانمي الإبداع والإمتاع سواء في نوعية الرواية وشخوصها وانعكاساتها الإنسانية ومداراتها المعرفية التي جعلت من إنتاج هؤلاء الأدباء «أطواق نجاة بشرية « فصلت هموم البشر واستلهمت معاناة الناس وكان أبطالها من البسطاء ونماذجها من المهمشين ووصفت الأحوال بلغة «ماتعة» أوصلت «المعاناة» الخفية لتتمثل جهرًا رغمًا عن «عوائق» البوح و»عقبات» الإفصاح ..
لم تكن روايات «موسم الهجرة الى الشمال « و»دعاء الكروان « و»فوضى الحواس «
و»الأسود يليق بك» و»طوق الياسمين» و»الأيام « إلا زاويا منفرجة على جوانب معتمة للعيش وعطايا مبهجة نحو مجالات مشرقة للتعايش، حيث ظل الإنسان محورًا أول لخريطة الرواية والسلوك البشري رهانًا أمثل في الحبكة «الروائية» التي كانت خليطًا من خيال يخال أنه حقيقة وواقع يتخيل أنه سراب.
في معيار النقد واعتبار التحليل رضخت بعض الروايات لرؤية «ضيقة» اعتمدت على ذاتية مفرطة من بعض النقاد الذين ظلوا يتهافتون على اصطياد «سقطة « إجبارية في رواية احترافية، وظل الأمر مفتوحًا حتى وصل الأمر إلى دفاع علني من الروائيين عن إنتاجهم نحو هذا التأويل الشخصي حتى إن بعض الأدباء بات يشرح معالم روايته تفصيلاً حتى لا تقع فريسة لأهواء الناقدين المتسرعين في حين أن هنالك نقدًا موضوعيًا لإنتاجات أدبية ارتقى إلى التحليل المهني والاحترافي والموضوعي الذي ارتقت به مسؤولية النقد إلى مراتب الدراسات المحكمة ..
تبقى الروايات إضاءات تنير محطات «المعرفة « وإمضاءات تبقى في متون «الإسهام» المعرفي ومنارات في شؤون «الاستلهام» الأدبي ..
الرواية الخليجية تشهد نقاط تحول في الاتجاهات المتخصصة في عناوينها وتفاصيلها وشخوصها وسط وجود تراجع في جودة بعض الروايات التي ظلت في إطار «القصص» الطويلة المبتورة أو «الحكايات» الشخصية الموجهة ولكن هنالك بعض الإنتاج يظل ضياءً عزف فيه بعض المؤلفين على أوتار الانفراد ويحتاجون إلى دعم نقدي يقوم على مقاييس الاعتدال في النقد والامتثال في التحليل.
الرواية العربية بحاجة إلى دراسات نقدية يقوم عليها متخصصون بعيدًا عن «التشخيص» المتسرع أو «الشخصنة « المريبة حتى تظل تلك الإبداعات أمام مجهر «الوعي» الثقافي الذي يليق بها و»السعي» الأدبي الذي يتواءم معها.. وعلى الجامعات والمراكز الثقافية أن تهتم بالندوات المتخصصة بالنقد وأن تبادر بإنشاء المراكز «البحثية» التي تولي «الرواية» اهتمامًا خاصًا لأنها وجه الثقافة الأصيل وواجهة الأدب المشرقة التي تضيء دروب «المعارف» وترتقي بأصول المشارف..
** **
- أديب وكاتب سعودي