د.محمد بن عبدالرحمن البشر
النظرية التوتمية، هي نظرية في علم الاجتماع تتعلق بدراسة الشعوب البدائية، ابتدعها عالم اجتماع اسمه ماك لينان المتوفى عام 1881 ميلادية، ونظريته استقاها من دراسته لشعوب أمريكا البدائية، للتوسع على يد علماء آخرين جاؤوا من بعده فيما بعد، ودرسوا السلوك الاجتماعي لبعض الشعوب البدائية في استراليا وفي إفريقيا، والمصطلح في الواقع مأخوذ من كلمة توتم المستقاة من لغة إحدى القبائل الهندية في أمريكا، وهناك من يسميها الطوطمية، وقصة الطاء والتاء والاستبدال بينهما جلية في استخدام أهل المغرب العربي العزيز، فسكان المغرب العربي مثل الجزائر والمغرب يقلبون التاء طاء في بعض الأحوال فيقولون مثلا طاكسي، بينما يجعلون الثاء تاء، مثلا مدينة تمارة هي في الأصل اسمها مدينة ثمارة، وقد استبدل الثاء بالتاء، وأما بالنسبة للشعوب البدائية لمهد الحضارات المتقدمة السابقة مثل بلاد ما بين النهرين والشام ومصر واليمن واليونان وما حولها، فما زالت الدراسات غير كافية حول انطباق نظرية التوتمة عليها.
بعض أسس النظرية المطروحة:
1 - إنها تنطبق على الشعوب البدائية الموغلة في القدم.
2 - إن كل قبيلة من تلك القبائل البدائية لديها حيواناً، أو نباتاً، أو جماداً، مثل الشمس أو أحد النجوم تنتمي إليه نسباً، وتراه حامياً لها يحميها من شرور الأعداء ولا يؤذيها حتى وإن كان من طبعه الأذى، مثل الثعبان، أو العقرب، وكذلك ما يحمل الخير مثل المطر أو الزهور أو الشجر.
3 - يقدم أفراد القبيلة فروض الطاعة والمحبة لتوتمها، وتتقرب إليه، طاعة الابن لأبيه، وقد تتجاوز ذلك إلى التعبد في حالات نادرة.
4 - لا يحق لأي فرد من أفراد القبيلة الزواج من امرأة من توتمه، لهذا فعليه أن يتخذ زوجة من توتمة أخرى، لاعتقادهم أن زواج أي فرد من نفس التوتم يضر بالقبيلة، وقد يجلب لها المشاكل، كما قد يؤدي فعله ذلك إلى قتله على يد أفراد قبيلته.
5 - الانتماء القبلي الذي يوحد القبيلة وتنتمي إليه هو التوتم، فهو الرابط الأبوي والقبلي، الذي تجمع عليه القبيلة بالولاء والتقرب.
6 - لهذا فإن الانتماء للفرد يكون للأم، تحت مظلة التوتم، وعليه فإن الأبوة الإنسانية غير معروفة لديهم لاستبدالها بالتوتم، وبهذا أصبح مجتمعكم أمومياً، أي أنهم يرتبطون بالأم، وليس الأب.
7 - يرون أن ذلك التوتم ينذرهم، عند قدوم شر محدق، لهذا فهم يؤمنون بالهامة والطيرة والزجر، وغيرها لثقتهم في توتمهم المحب لهم والمحبون له.
يتقرب أفراد التوتم الواحد له من خلال تقليد التوتم من حيث الملبس والمظهر العام، ومحاولة تقمص شكله وأفعاله، كما أن البعض منهم قد يأخذ جزءاً من جلده، يجعله لباساً له، أو أن يعلقه في عنقه على هيئة تعويده، وقد يجعل جزءاً أو أجزاء من أمعائه أو جلده سوارة حول ذراعه أو قدمه، راجياً أن يكون ذلك مانعاً له من الشر، وجالباً للخير، فهو يرى فيه قوة خارقة، تستطيع أن تبعد عنه الشرور، وتجلب له الخير، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إنه يمتد إلى المناسبات والأعياد، فمثلاً عندما يولد الطفل، فإنهم يرسمون عليه صورة لذلك التوتم أو يلبسونه جزءاً من جسمه لجلب الخير له، كما يفتعلون اعياداً، تكون المظاهر فيه في الغالب مرتبطة بتوتمته من القبيلة سواء من حيث المظهر، أو الملبس، وحتى ربما طريقة الرقصات سواء عند الذكور أو الإناث.
يرى المؤمنون بتوتم معين أن بينهم صلة رحم، من خلال توتمهم، لأنه حاميهم، والجالب الخير لهم، والمساعد في درء الشر عنهم، لهذا فهم من باب الاحترام له قد يلجأ البعض منهم إلى رسم شعار له، أو استخدام رمز يمثله.
ويذهب بعض العلماء إلى أن التوتم لا يعبد لأنه ليس صنماً، وإنما أباً لقبيلة صغيرة، لهذا فهم ينتسبون إليه، فنجد في أسماء بعض القبائل من الهنود الحمر واستراليا وإفريقيا أسماء حيوانات مثل كلب، وقط، وثور، ودب، وذئب، وثعلب، وسلحفاة، وطيور مثل نسر، وبط ، ونباتات مختلفة مما هو متاح في بيئة كل قبيلة، وقد رأى أحد العلماء أن بعض قبائل العرب تحمل أسماء حيوانات، مثل كليب، وبني ثور، وأسد، وعير، ونمر، وبني شبه، وبني حنش، وبني عجل، وبني يربوع، وغيرها كثير، وجعلها دليلاً على وجود التوتمية لدى العرب في العصر الجاهلي، وأرى أن ذلك غير صحيح، فلا يحمل التراث العربي أي دليل على وجود توتم عندهم، وأما الأسماء فهي مستقاة من البيئة، والانتساب للأب واضح عند العرب منذ بداية التاريخ، وما قبله، والتسمية إما أنها جاءت للفخر بالقوة مثل بني أسد، أو الذي ألصق بهم، أو لأسباب أخرى، مثل تربية أحدهم لكلب، أو اقتنائه قط مثل أبي هريرة - رضي الله عنه -، وغير ذلك، وفي الختام فإن تطبيق التوتم على العرب في نظري مجانب للصواب.