أ.د.عثمان بن صالح العامر
سؤال طرحته شخصياً على مجموعة من رجال التربية والتعليم وفرسان الميدان التربوي الذين غادروا كراسيهم الإدارية أو صفوفهم الدراسية بالتقاعد، وما زال الهم الوطني والمجتمعي العام وعلى وجه أخص التعليم والتربوي منه يشغل بالهم ويؤرق أذهانهم. وقد أجمعت كلمتهم في إجاباتهم على السؤال الوارد أعلاه على أن رأس الأمر وعموده، وأهم ركيزة في تعليم القرن الحادي والعشرين، ومن يعول عليه صناعة الفارق التعليمي، وتحقيق جودته، وتغير بوصلته بما يتواكب مع متطلبات المرحلة وفي ذات الوقت يحافظ على منطلقاتنا العقدية ويحمي قيمنا الإسلامية هو (المعلم) المتسلح بالعلم التخصصي بامتياز، ويمتلك معارف عامة جيدة، ويتمثل القيم الإسلامية الصحيحة، ولديه مهارات التأثير والإقناع، ويجيد فن إيصال المعلومة بانسيابية وسلاسة مهم كانت المادة صعبة ومعقدة، وهو في شخصه قدوة متميزة، وأنموذج رائع يحتذى به ويحاكى بأفعاله قبل أقواله من قبل طلابه الذين أحبوه مربياً ومعلماً في ذات الوقت، يحقق العدل التعليمي، ويجعل نصب عينه تربية جيل إسلامي/ وطني يعي رسالته في الحياة، ويدرك دوره المستقبلي إزاء نفسه ووطنه وأمته. وهذا لا يتأتى بالتمني والرجاء، بل لا بد من شعور المعلم بشرف المهنة وعظم المسؤولية، والحرص على استمرار التطوير الذاتي وذلك بمواصلته القراءة التخصصية والتربوية، وتنمية المهارات الذاتية، والاطلاع على الجديد من النظريات التعليمية، والمشاركة في المؤتمرات التربوية، وحضور الدورات التدريبية، واللقاء التثقيفية، وحلقات النقاش التخصصية، التي تنمي ملكاته الشخصية، وتعزز قدراته التراكمية. وهذه الإجابة على السؤال من قبل من كانوا صناعاً للقرار التعليمي ومن هم في الميدان التربوي يطرح على فئة المعلمين والمعلمات الذين يدّرسون في مراحل التعليم المختلفة بدأ من رياض الأطفال وحتى نهاية المرحلة الثانوية: ترى ما هو الجديد الذي استطعت أيها المعلم وأيتها المعلمة اكتسابه خلال هذه الأيام التي تتمتع فيها بإجازة نهاية العام الدراسي، سواء أكان المكتسب في الجانب المعرفي أو المهاري أو القيمي، وتعتقد جازماً أنه سينعكس على أدائك داخل الصف، ويكون إضافة حقيقية في سنوات خبراتك الفعلية في الميدان التربوي.
الكثير من أفراد هذه الشريحة الغالية التي ورثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف مهنة على الإطلاق لا تولي مهنتها اهتمامها الواجب، وربما اعتبرتها مجرد وظيفة وليست رسالة للأسف الشديد، مع أنها تتعامل مع (الفكر) الذي هو محور البناء الإنساني لمن هم في مرحلة التكوين، ومسؤولية من هم ما زالوا على رأس العمل تجمع بين البناء العقلي والروحي والقيمي والمهني، بل حتى الجسدي البدني، والمرجو في قادم الأيام أن يعالج التطبيق الفعلي الدقيق للنظام التعليمي الجديد القصور الذي يؤثر سلباً في العملية التربوية والتعليمية برمتها، وذلك من خلال ربط الحوافز والعلاوات بتطور الأداء من جميع الجوانب.
إن المسؤولية الآن تقع على كاهل المعلم بصورة مباشرة فقنوات تطوير الذات متاحة وسهل الوصول إليها، والوقت فيه فسحة ومتسع، والوزارة تدفع وتحفز، وأبناء الوطن فلذات أكبادنا يستحقون من كل معلم ومعلمة بذل جهدهم من أجل إخراج جيل قادر على صناعة مستقبل أفضل لهذا الكيان العزيز المملكة العربية السعودية. ولا يعني التركيز على المعلم من قبل الزملاء الأعزاء والأصدقاء الأوفياء التقليل من شأن بقية العوامل والمؤثرات التي يحتاجها التعليم العام وتؤثر في جودته، وتقوي من فاعليته التنموية والنهضوية، لكنها كلها في نظرهم تبع، وأثرها أقل بكثير من أثر المعلم في العملية التعليمية، ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.