د.شريف بن محمد الأتربي
أبى الدمع أن يجف، وأبى الألم أن يرحم ضعفي وقلة حيلتي في مصيبتنا بوفاة أخت زوجتي، وهي أختي وزميلتي، عرفتها قبل حوالي 40 عامًا، وخلال كل هذه الفترة ما سمعت منها غير طيب الكلام، وذكر وشكر الله تعالى. كانت تؤذَى فتصبر، وتُغتاب لتعطينا درسًا، بل دروسًا في فن الحياة. كان الخير ينهمر من بين يديها لكل الناس، كبيرهم وصغيرهم. كانت بارة بوالديها حتى آخر لحظة في حياتها. تصلي فرضها، وتصل رحمها، وتحفظ زوجها وأولادها. لم تشتكِ أبدًا من ضر مسها ولا نصب.. كانت حامدة شاكرة قانعة بما كتبه الله لها وعليها.
منذ وطئت أقدامنا أرض كلية الآداب جامعة القاهرة وهي تفيض على الجميع بالود والعطف والرحمة.. تعاملها كأنك تعامل متدينة في المحراب، قضت كل حياتها تسألها المسألة فلا تردك خائبًا ولو على حساب نفسها. إنها بشر يصعب وصفه ويندر وجوده. أحبها الله فابتلاها، وكلما صبرت زاد الابتلاء، كأنها عروس تجهز لمقعدها في الجنة.
زفتها الجموع، وبكاها من عرفها ومن سمع عنها ولم يرها بأحر الدموع. كان يوم العزاء كأنه عرس لها، لم ينقطع الدخول له ولو لحظة واحدة. جحافل من البشر جاءت من كل حدب وصوب.. كل يدعو لها، ويذكر من مآثرها ما اختصت به ربها فتقبلها قبولاً حسنًا. رحلت نهلة عن دنيانا الفانية إلى جنة قطوفها دانية إن شاء الله. رحلت وبقي عملها الصالح وأولادها الصالحون من بعدها. رحلت وبقي في القلب غصة من هول رحيل مفاجئ، لكنا لا نملك سوى الدعاء.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.