عبدالله سعد الغانم
البنتُ فلذة كبد أبيها وريحانة قلبه ونور حياته وحسنةٌ يجازيه الله عليها وحجابه من النار وسبب مرافقته للرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة يفرح بمقدمها ويسر بإشراق محياها ويدأب في رعايتها وحمايتها ويجتهد في تربيتها وتوجيهها وتعليمها حتى تكون عروسًا يتسابق إليها الرجال خاطبين وهنا يبدأ شعورٌ آخر لدى والدها مَنْ الكفء الذي سيأمنه بعد الله عليها وحين يختاره ويتم انتقال هذه الغالية من بيت أبيها إلى بيت زوجها يظل قلبُ أبيها متعلقًا بها مشغولاً عليه راجيًا سعادتها وهناءها وتوفيقها ولا ملامة عليها فهي قطعةٌ منه، وقد ذكر أحد الأقارب أنَّ أباه- رحمه الله- عندما زوَّج ابنته الخامسة لرجلٍ كفءٍ كما السابقين الذي اختارهم لبناته الأربع قال: الآن أموت وأنا مرتاحٌ وهنا ستظل ابنته تذكره بخير وتدعو له وتترحم عليه وتستغفر له وإنه لمكسبٌ عظيمٌ وفوزٌ كبيرٌ يطمح له كلُّ أبٍ عاقلٍ حصيفٍ ألا وإنَّ مشاعر الآباء الدافئة تجاه بناتهم هي الأسمى والأصدق والأبلغ فرسولنا صلى الله عليه وسلم يحب ابنته فاطمة فيقوم لها إذا دخلت عليه ويرحب بها ويُقبِّلها ويُجلسها في مجلسه، وذات يومٍ دخل عمرو بن العاص على معاوية وبين يده بنته عائشة فقال: من هذه يا أمير المؤمنين فقال: هذه تفاحة القلب فقال: انبذها عنك؛ فوالله إنهن ليلدن الأعداء ويقربن البعداء ويورثن الضغائن فقال: معاوية لا تقل ذاك يا عمرو، فوالله ما مرَّض المرضى ولا ندب الموتى ولا أعان على الأحزان مثلهن ورُبَّ ابنِ أختٍ قد نفع خاله فقال عمرو ما أراك إلا حبَّبتهن إليّ ، وفي رقعة تهنئة للصاحب بن عباد بالبنت يقول: أهلاً وسهلاً بعقيلة النساء وأم الأبناء وجالبة الأصهار والأولاد الأطهار والمبشرة بإخوةٍ يتناسقون ونجباء يتلاحقون وحين ودَّعتُ بُنيَّتي الغالية» تغريد» منتقلةً إلى بيت الزوجية اختلطت في قلبي مشاعر الفرح بزواجها مع مشاعر الحزن بفراقها فكتبتُ هذه النبضات الوجدانية:
فراقكِ يا تغريدُ جدُّ ثقيلُ
هو المرُّ والإحساسُ منه عليلُ
رحلتِ إلى بيت الزواج وإنني
سعيدٌ ودمعي في البعادِ يسيلُ
تركتِ لنا دارًا ستبكي أميرةً
بها البِرُّ كانت بالعطاء تجولُ
لقد كنتِ فيه الركنَ يملأ جوَّنا
بأنسٍ وحبٍّ والكلامُ جميلُ
سنفقدُ قلبًا ذا نقاءٍ ورحمةٍ
ولكنَّ هذا الفقدَ ليس يطولُ
بإذن الرحيمِ البَرِّ بارئنا الذي
له المنُّ يعطي والعطاءُ جزيلُ
ذهبتِ إلى زوجٍ به الخيرُ وافرٌ
عساهُ لكِ الظلُّ الوريفُ ظليلُ
عرفتُ به دينًا رزينٌ بعقله
له خُلُقٌ في الأكرمين نبيلُ
وهذا يُطمئنُ يا أميرةَ خافقي
يخفِّفُ فَقْدًا والهمومَ يُزيلُ
فكوني له حضنًا دفيئًا بُنيتي
يكنْ زوجَ عزٍّ إنه لأصيلُ
ولستُ لكِ يا فلذةَ الكبدِ ناصحًا
فأنتِ رزانٌ قد هوتكِ عقولُ
بصدركِ قرآنٌ هو الزادُ والهنا
ومَنْ رافق القرآنَ ليس يميلُ
رجائي لكِ التوفيقَ بارك ربُّنا
زواجكِ يا بنتي رعاكِ جليلُ