عليك منّي سلامٌ اللَّه ما صَدَحَت
على غصون أَراك الدوح ورقاها
لقد توالت قوافل الراحلين إلى الدار الآخرة، والتي حملت الكثير من أحبتنا ومعارفنا إلى ملتقاهم إلى يوم النشور..، وفي طليعة أولئك الأحبة الشيخ سليمان بن عبدالعزيز الوهبي الذي توفي يوم الأحد 11-12-1443هـ، وتمت الصلاة عليه عصر يوم الاثنين في جامع الجوهرة البابطين بالرياض، ثم حُمل جثمانه الطاهر إلى مقبرة الشعيبة بالقرينة، في جو حزن وأسى -رحمه الله تعالى- ولقد كانت ولادته في بلدة القرينة التابعة لمحافظة حريملاء، عام 1349هـ، وقد باكره اليتم صغيرًا حيث توفي والده وبعده بفترة لحقته والدته وهو لم يتجاوز الثلاث سنوات تقريبًا، واحتضنه عمه محمد -رحمه الله- وقام بتربيته، وبعد بلوغه السابعة من عمره ألحقه بإحدى مدارس الكتّاب «بالقرينة» عند الشيخ عبدالله بن صالح المغيصيب ثم عند الشيخ سعد بن حمد المقرن، وأتم حفظ القرآن عند الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله المقرن، بعد ذلك انتقل إلى الرياض لطلب العلم لدى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية، وعلى شقيقه الشيخ عبداللطيف، حيث قضينا معه ومع الشيخ عبدالرحمن بن حمد الشبيب أحلى أيام العمر وأمتعها عامي 1369 - 1370هـ:
سبعون عامًا قد تولت كأنها
حلومٌ تقضت أو بروقٌ خواطف
بل ومع عدد كبير من طلبة العلم، حيث كنا قد سكنا معًا في أحد البيوت في حي دخنة بالرياض، التي أمر جلالة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- تخصيصها لسكن الطلبة المغتربين عن أهليهم، وقد سعدت بالاجتماع بالشيخ سليمان -رحمه الله- في ذاك المنزل متعدد الغرفات، وما جرى فيه بيننا من استذكار الدروس وما يتخللها من بعض القصص الهادفة وبعض المداعبات الخفيفة، وتبادل الأحاديث النافعة:
وَما بَقِيَت مِنَ اللَذاتِ إِلّا
مُحادَثَةُ الرِجالِ ذَوي العُقولِ
ومكث الشيخ سليمان قرابة أربع سنوات عند الشيخ محمد بن إبراهيم وشقيقه الشيخ عبداللطيف -رحمهم الله- لتلقي العلم حيث قرأ وحفظ المتون مثل: كتاب التوحيد والفقه والآجرومية والأصول الثلاثة والرحبية في علم الفرائض، ولقد لمس الشيخ محمد بن إبراهيم فيه الفطنة والذكاء فوجهه إلى هجرة الجفير جنوبي نساح الواقع جنوب الرياض إمامًا ومرشدًا، ومكث فيها ثلاث سنوات، وبعد افتتاح معهد الرياض العلمي عام 70-1371هـ، عاد للرياض عام 1374هـ، من أجل الدراسة النظامية حيث درس سنة تأهيلية وتمهيدية، ثم دخل المعهد العلمي مواصلاً الدراسة فيه لمدة خمس سنوات، وبعدها التحق بكلية الشريعة وتخرج منها عام 1384هـ، بعد ذلك تم توجيهه للقضاء حيث لازم مدة خمسة أشهر ثم تم تكليفه بالقضاء في المحكمة الكبرى بالرياض -دائرة الضمان والأنكحة- بعدها انتقل رئيسًا لمحكمة الأحداث عند افتتاحها ومكث فيها أربع سنوات، حتى تم تكليفه رئيسًا للمحكمة المستعجلة بالرياض، ثم نُقل إلى محكمة التمييز -الاستئناف- إلى أن تقاعد عام 1426هـ، وكان طيلة عمله مثالاً للأمانة والإخلاص وله مكانته في القضاء، حيث قام بعمله على أكمل وجه:
وأَحسَنُ الحالاتِ حالُ اِمرِئٍ
تَطيبُ بَعدَ المَوتِ أَخبارُهُ
يَفنى وَيَبقى ذِكرُهُ بَعده
إِذا خَلَت مِن شَخصِهِ دارُهُ
وكان -رحمه الله- إمامًا لمسجد الحسّاني ثم جامع الأميرة منيرة بنت عبدالرحمن في حي العجلية بالرياض، حتى أصبح إمامًا خاصًا للملك خالد -رحمه الله- في جامع قصره بالمعذر، وكان -رحمه الله- محبًا للخير وأعمال البر ويدعو إلى التواصل وصلة الرحم ومحبًا للقراءة وتسريح نظره في بطون الكتب المفيدة، وكأنه يخاطب نفسه مكررًا هذا البيت:
هَذِي ريَاضٌ يروق العقلَ مخبَرُها
هِيَ الشِّفا لنفوسِ الْخلق إِنْ دنِفتْ
وخصوصًا في التفاسير وسير الأنبياء، بالإضافة إلى كتب الفقه:
إلى جنَّة الفردوسِ والعفو والرّضى
وفي رحمة الرَّحمن أَصْبَحتَ ثاويا
تغمد الله الفقيد بواسع رحمته، وألهم أبناءه وبناته وعقيلته «أم خالد» وأسرة الوهبي ومحبيه الصبر والسلوان.
** **
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء