دار جدل في بعض وسائل التواصل الاجتماعي حول الأدب الشعبي (القصيدة - المثل - القصة) وتم الاستشهاد بآراء بعض الأدباء، منهم الأديب والشاعر الأستاذ معيض البخيتان الذي يكتب الشعر الفصيح وصنوه الشعبي، ووثّق له الشيخ عبدالله بن خميس قصيدة حربية (العرضة السعودية) في كتابه: (أهازيج الحرب أو شعر العرضة) إلا أن الاستشهادات تمت بطريقة مجتزأة وانتقائية، أثارت اللغط. وإنصافًا للجميع نشير في صفحة الأدب الشعبي في صحيفة الجزيرة إلى أن ما تم اجتزاؤه كان من (ندوة) أوراق عمل قدمت في ندوة الشعر الشعبي المنعقدة في دار الجوف للعلوم بتاريخ 22-23 شوال 1405هـ (1984م) للأستاذ معيض البخيتان، وجاء فيها: (ووجدت في «أغاني العلم» رأيًا للأستاذ العملاق عباس العقاد يقول فيه: «لا خلاف أبدًا على بقاء الأزجال والمواويل والأغاني الشائقة، لأن أحدًا من العقلاء لا يبلغ به الحمق أن يتصور أن أمّة كانت أو تكون بغير لهجة عاميّة تعيش جنبًا إلى جنب مع اللغة الفصحى؛ لأن تاريخ اللغات يدل على حقيقة لم تتغير قط في عهد من العهود، ولا في قوم من الأقوام، فليبق الأدب الشعبي وليتسع كما تتسع كل لغة لبلاغة الفصحى وطرائف اللهجات الدارجة»). لقد أثبت هذا الدارس هذا الكلام وقوّسه، ولكنني لم أعثر عليه في ما لديّ من كتب العقاد. وعلى كل فهذا رأي فيه من الخبرة والكياسة الشيء الكثير. أما المصادر الأدبية الأخرى، والنحو، وقواميس اللغة، ومجاميع الشعر العربي، فتدور كلها في التراكيب وضبط الكلمات، وتأصيل التراكيب العربية لذا فقد قصرت الكلام في معظمها على الأخطاء وبيان الصحة وإحاطة الشذوذ اللغوي أو الذي لا يجري مجرى السنن المتبع وهو إعراب الكلمة وقزمته وأسمته باللحن وإذا تبين أن اللحن كان قديمًا فهو بلا شك من بقايا العاميّة الأولى، يقول الرافعي: «إن العاميّة عادت لغة في اللحن، بعد أن كانت لحنًا في اللغة» (تاريخ أدب العرب) أ. هـ. لكن هذا اللحن لم يكن له من سابق عهده بقية أم كيف؟ أما ابن جنيّ فيقول: «إن اللغة اجتهادية وإن التطور والارتقاء هما اللذان غربلاها» (الخصائص). إذًا العامية عنصر أوليّ، ولا يمكن تجاهله، ولا سبيل إلى الخلاص من البدايات الأوليّة مهما كانت قيمتها التاريخية، فما اللهجات المركونة خلف اللغة الفصيحة إلا بقية باقية من العامية الأولى. أما أبو النحو في «الكتاب» فيقول عن أستاذه الخليل بن أحمد، والعقلية الجبارة، ما نصه: «إن علاماالإعراب في الكلمة كلها زوائد، والبناء هو الساكن لا زيادة» أ. هـ. إذًا الأثر الذي يجلبه العامل عند دخوله على الجملة هو الذي يبينها ويوضّحها، وإلا فأصل الكلمة موقوف الآخر.