رمضان جريدي العنزي
الرجال قد يتشابهون في الأجسام، لكنهم أبداً لا يتشابهون بالأفعال، وهناك فرق كبير جداً وبون شاسع بين رجال الشدائد ورجال المظاهر، ومقياس الرجل الحقيقي بفعله وخلقه وسلوكه وفكره وعقله وموقفه وثباته وسعيه مع الناس, وإيجاد الحلول, وإلغاء المشاكل, وتهميش المتاعب، لا بـ(كشخته) ولبسه ومنزله وبشته وسبحته ومركبه ومنصبه وماله.
إن رجال الشدائد معادنهم نفيسة, وجواهرهم ثمينة, وأخلاقهم عالية.
أما رجال المظاهر فلديهم رخاوة وهشاشة وكساح ولين، لا فروسية اتبعوا، ولا رجولة نهجوا، ولا وقاراً لبسوا، فهم لا يهشون ولا ينشون.
إن الشدائد محك الرجال، والرجال الحقيقيون لا يضعفون أمام الشدائد ولا يخورون، بل يبذلون جهداً كبيراً في مواجهتها، إنك لا تستطيع معرفة حقائق الرجال إلا في مواطن مختلفة، وأهمها مواطن البلايا والمشكلات، فكم من صديق أنكر صديقه عند شدته ومحنته، وتركه يعاني المرارات، وكم من رجل ظنه الناس شهماً إذا به يسقط في مستنقع الخيبة وعفن النكوص، وكم من منظر يحسبه الناس غاية في الفعل إذا به يدنس نفسه بفعل مغاير لتنظيره, إن الرجال يتباينون في الشدائد، وتظهر حقيقتهم واضحة وجلية، إن الشدائد تظهر الرجال الحقيقيين، وتكشف الرجال المزيفين، وتظهر الرجل الرجل، والرجل الهش، إن الشدائد كاشفة لقيمة الرجل أمام نفسه ومجتمعه، فتتبين الحقيقة من الادعاء.
ففي زمننا الحالي باتت المعادن الأصلية عملة نادرة، وأصحابها صاروا من الندرة والقلة، لقد تحول الذهب إلى نحاس، والجوهر إلى بلاستيك، إن طنطنة بعض الرجال وفلسفتهم وكلامهم واستعراضاتهم البهلوانية قد تذوب كلياً عندما يدلهم الخطب وتبلغ القلوب الحناجر، لكن الرجال الحقيقيين هم من يحولون الثقب الصغير إلى باب كبير، ويذيبون البلايا والمشاكل كما تذيب الشمس قالب الجليد، إن الحياة كلها عبر ودروس، تبيّن النفوس من النفوس.