علي الخزيم
كان لا يترك فرصة للزواج المُتعدد بصورة توحي بالهوس والولَع بالنساء دون اكتراث بتزايد الإنجاب، كلما سمع بأرملة او مُطلَّقة انطلق نحوها خاطباً، وان كانت الخامسة فلا بأس بطلاق احدى الأربع، وكأنه يعيش مرحلة مزاجية عبثية للارتباط بالنساء لسبب نفسي لا يعرف تفسيره، بعد سنوات وجد أن عدد أنجاله زاد بشكل لا يستطيع معه الانفاق وهو بوظيفة صغيرة؛ مما أوقعه بمأزق اتَّجه معه للجمعيات الخيرية، ووجد أن بعض القائمين على تلك الجمعيات يتعاطفون مع مظاهر التَّدين بشكل عام ويُعجّلون المعونات لأصحابها، غير أن لا أحد يناقشه عن سبب ادمانه ملاحقة النساء بالزواج والطلاق، وتشير وقائع زواجه إلى أنه لم يكن يُخطّط لاستغلال ميسورات الحال من أجل أموالهن أو رواتبهن، فلو كان كذلك لما لجأ للجمعيات الخيرية بعد أن أرهق كل معارفه وأصدقائه بالقروض والأسلاف.
ينسى مثل هذا أن الزواج ميثاق غليظ، ولا يُدرك أن كثرة الإنجاب دون ضوابط ذات انعكاسات قاسية مؤلمة له ولزوجاته وذريته؛ فليست الحلول بصحن يُملأ بكثبان من الأرز ويُقدَّم لهم وكأنهم دجاج بحظيرة! هؤلاء النساء والأولاد أنفس لها مشاعر وأحاسيس ومتطلبات وحاجات مادية ونفسية واجتماعية، ولهم كيانهم بين الناس، وليس ذنبهم أن هذا المهووس وأمثاله يُطبّقون مقولة (يولدون ورزقهم معهم)، نعم فإن الله سبحانه مُتكفل بعباده غير أن عنصر اتخاذ الأسباب لمصادر العيش والحياة الكريمة يجب أن يكون حاضراً قبل الإقدام على تكرار الزيجات وإنجاب الكثير من الذرية ثم اللهاث والركض لجلب لقمة عيشهم بإذلال نفسه والحاق الأذى بهم من كل جانب، كما يغيب عن بال هذا المتهور المنطلق خلف تفسير مغلوط لمفهوم التعدد ان الحياة الآن لا تتوقف عند رغيف الخبز أو حفنة من الأرز، فالعصر تغيَّر كثيراً ومقومات الحياة تشعّبت؛ وتجاوزت الرغيف إلى ضروريات التنقل والتقنية والاتصال والملبس وجودة الحياة بكل عناصرها؛ وكل هذا يلزمه ميزانية مدروسة لا تُهمل عنصراً ولا تترك لازماً، وأي ميزانية لا تُغطّي مصروفات الأسرة فهي عرجاء متعثرة مهما حاول مهندسها اختصار البنود وترك ما لا يلزم أو تأجيله، فلا بد من ميزانية موازية مساندة لها؛ إلا وهي (التخطيط وتنظيم النسل) بما يتَّسق ويلائم الدخل الشهري، ففي مسألة الزواج قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاعَ منكم الباءة فليتزوج.. الخ)، فالاستطاعة مُقدمَة على الرغبة والمجازفة بالزواج، فكيف بالإنجاب دون حسبان وتقدير لما سيكون؟!
يقول عاملون ومختصون بالمجال الأسري إن مثل هؤلاء يزجُّون بأنفسهم بمشكلات تتكاثر عليهم وتتفرع، بسبب ما أوقعوا أنفسهم به من اندفاع غير مدروس بتكرار الزواج والإنجاب دون مقومات الأهلية والاستطاعة، ويُشار إلى أنهم من أكثر الناس انصرافاً عن أقاربهم وابتعاداً عن الأصدقاء نظراً لشعورهم الخاطئ بأنهم يتخلون عنهم ولا يدعمونهم، بينما الواقع يقول إن ذويهم وأصحابهم عجزوا عن استمرار الدعم؛ فلديهم ما يشغلهم وأسرهم من المصروفات المستحقة، كما أن المشكلات الصحية لديهم تتفاقم لأن عدم الاستطاعة انسحب على أمور كثيرة، فاتعظوا يا أولي الألباب!