منذ أن وعيت الدنيا وجارنا أبو محمد الأستاذ الأديب (عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف) رجل الإحسان والجود يتفقد من حوله باستمرار، ولا أزال أتذكر في التسعينات الهجرية وقوفه لانتظار الجيران لإيصالهم إلى (الصحية)، وتمضي الأيام ولا يزال أبو محمد مضرب المثل في التواضع والجود والإحسان، فبابه مفتوح للزوار وشفاعته لمن يعرف ومن لا يعرف حريص على لم الشمل وبذل المعروف والإصلاح بين الناس.
لم يكن يفصح عن تاريخ ميلاده ويتهرب من ذلك بدعابة نادرة لكنه بالتأكيد عاش حياة الكفاف أول حياته مدركا حياة الأولين بما فيها من الحاجة والفاقة، وعمل بيده حِرف الأولين من الرعي والسَّني (إخراج الماء من الآبار بواسطة البهائم)، ثم أتيحت له الفرصة للتعلم فالتحق بالكتاب ثم تدرج في التعليم مستفيدا من والده الشيخ عبد الرحمن - رحمه الله - ومن دروس طلبة العلم في الرياض، ثم التحق بدار التوحيد في الطائف ثم كلية اللغة العربية بالرياض، وبعدها تم تعيينه مديرا لمعهد المعلمين في حريملاء ثم مديرا لمتوسطة وثانوية حريملاء إلى أن أحيل إلى التقاعد.
كوّن خلال هذه المسيرة علاقات واسعة مع المسؤولين والأمراء والوجهاء وعامة الناس.. وبعد إحالته إلى التقاعد تفرغ لأعماله الخاصة مركزا على الاهتمام بالشعر والأدب والتأليف، يحفظ الشواهد ويستحضرها في مظانها باستمرار، فلا يكاد يخلو مجلسه من الشواهد النادرة والحكم الباهرة.
أبدع في رصد سِيَر أقرانه ولِداته ومن فقدهم في حياته عبر كتابه (فقد ورثاء) الذي طبع منه عدة أجزاء، دوّن فيه سير العديد من الأعيان موثقا جوانب من حياتهم، موشحة بجميل الشواهد والحكم
روحه روح الشباب لم تغيرها السنين متمثلا قول الشاعر:
سِنّي بروحي لا بِعَدِّ سنيني
فلَأسْخَرَنّ غداً من التسعينِ
عمري إلى السبعين يركضُ مسرعاً
والروحُ ثابتةٌ على العشرين
فتواضعه مشهود مشهور يتعامل حتى مع الصغار باحترام وتقدير، فلا زال يمانع من تقبيل الرأس ومن الاستناد أو الاتكاء عند الجلوس.
أذكر حينما كنت مديرا لثانوية حريملاء كان يزورنا باستمرار ويقدم النصح والمشورة ويطلبها كذلك، فكان يستشير بعض المعلمين الذين هم في سن أحفاده في مراجعة بعض النصوص والمقالات التي ينشرها ويأخذ بآرائهم.
كالبحر يأتيه ماء النهر مبتهجا
وأصله نابع من فيض ما وهبا
بشوش المحيا قريب الابتسامة محب للدعابة خفيف النفس عالي الهمة لا يُدعى إلى مناسبة اجتماعية عامة أو خاصة إلا وتراه في مقدمة الحضور مشاركا بما يتيسر من الهدايا.
ولست في هذه العجالة بصدد كتابة سيرته الذاتية فهي بحاجة إلى مؤلف لا مقالة، ولكن أردت الإشارة إلى أن مثل أبي محمد يستحق التكريم بالزيارة والاستفادة من خبراته وحكمته، فلا يزال يصنع تاريخا مجيدا من السمعة الطيبة وحسن الخلق والقدوة الحسنة، وهذه فرصة طيبة لأبناء هذا الجيل أن ينهلوا من معينه العذب وينبوعه الصافي.
منهل عذب قريب ورده
يرتوي منه شديد العطش
أطال الله عمر (أبو محمد) على طاعته وبارك في أبنائه البررة وأحفاده النجباء.
أبو محمد (مرفوع) بتكرمه
وليس مثل (أبو محمد) يكسر
** **
- حريملاء