ها هو ذا العام 1443 يلتقط متاعه مودعًا أصحابه، يودعهم كما كانت الأعوام من قبله محملة بالذكريات التي تباينت وتفاوتت بين الناس، فهناك من يحمل ذكريات طيبة أضاءت له الطريق وأسعدت له الضمير وزادت تفاؤله بالمستقبل القريب، وهناك من يحمل ذكريات حزينة أثارت مشاعره وأحدثت شقًا ورقعًا مخفية لا يراها الناس، ولعل كل الذكريات بحزنها وفرحها تنقلت بين الناس وتقلبت كما هي الأعوام والسنون، لقد أبهرتنا السنة بأيامها وشهورها أبهرتنا بسرعة انقضائها وجريان أوقاتها جريان الماء في الجداول، أعطت إشارات سريعة لمن يتهاون في قيمة الوقت بأن الأعمار تتقدم حيث مراحل نمو البشر قد تغيرت وتبدلت، فالرضيع أصبح طفلاً، والطفل أصبح مراهقًا، والمراهق أصبح شابًا، والشاب كهلاً، والكهل شيخًا، حتى يرد إلى أرذل العمر، وعند ذاكم الحد كم يتمنى الإنسان لو عاد به قطار العمر حيث يرى ما فرط به من مستحسنات الحياة ورآه صعب المنال يراه اللحظة واقعًا محسوسًا، ولعل تصرم الأيام لهو إشارة إلى قرب انقضاء الأجل وكتابة السطر الأخير في عمر الإنسان؛ إذ ينتقل إلى حياة أخرى، حياة يمكث فيها الإنسان ما شاء له الخالق أن يمكث، يرى ما زرع وما بذر؛ إذ لا يرى إلا نفسه وعمله، يرى الكثير من الناس أن هذه الحياة ليست إلا دربًا من الدروب التي يسعى فيها الإنسان إلى معيشة يحلم بها ويتصورها في عقله، ولا مراء أن كل درب من تلك الدروب له نقطة بداية ونقطة نهاية، فقد يكون مسار الدروب مبتدأ ببداية العام ومنتهيًا مع نهايته، وقد يكون ذلك المسار مرتبطًا بتحقيق هدف ما، كالشهادات العلمية أو الوظيفة المرغوبة أو الأرباح الشهرية أو السنوية وغيرها، وقد يصاب بالهم والضيق ذلك الإنسان عندما يرى أن ما يصبو إليه لم يتحقق، عندها قد يسلك دربًا آخر موصلاً إلى هدفه وقد يستسلم للأحلام منتظرًا هدفه أمامه ولكن محال أن يأتي النجاح بالمصادفة ولا يتحقق الهدف بحلم النائم. لقد ودعنا هذا العام 1443هـ بخيره وشره وحلوه ومره بآلامه وآماله بساعاته المفضولة وأيامه المعلومة، كل منا سجل ذكرياته في هذا العام إما ببنانه أو بفؤاده، كلنا آملون بأن يكون هذا العام خيرًا من سابقه وأحلى من سالفه، نأمل بأن يتحقق في هذا العام ما لم ينل فيما مضى، لا بد من التفاؤل فهو لا يظهر عند الكثيرين إلا عندما يعزم العام على الرحيل ويستقبلون عامًا جديدًًا، يتفاءلون حتى ولو أحسوا بفشل أو ضعف أو حزن أو ضيق، يفاءلون بأن الله سبحانه وتعالى يبدل الأحوال ما بين طرفة عين وانتباهتها.
ختامًا نقول: نستودع الله عامًا مضى 1443، ومرحبًا بعام 1444هـ.