فضل بن سعد البوعينين
عمل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز منذ توليه الحكم على تعزيز علاقات المملكة بالمجتمع الدولي وفق رؤيتها الحديثة، والمصالح المشتركة، وتحقيق التوازن الأمثل في العلاقات الخارجية وبنائها على قاعدة من الشراكات الاقتصادية الوثيقة المعززة للعلاقات، والمحققة للتكامل والاستدامة.
باتت المملكة أكثر تركيزًا على التنمية الداخلية، وتحقيق التنوع الاقتصادي، وتنفيذ مشاريع كبرى قادرة على جذب الاستثمارات، وخلق شراكات متينة ومستدامة، وتنمية قطاعاتها الواعدة، إضافة إلى إعادة ترتيب علاقاتها الخارجية وفق المصالح المشتركة المحققة للأهداف الوطنية الثابتة.
ومن الملاحظ في الرؤية السعودية الحديثة التكامل الأمثل بين مكوناتها وأدواتها التنفيذية، وحرصها على تحقيق التوازن في العلاقات المشتركة، والبعد قدر المستطاع عن التحزب الدولي الذي تفرضه التحديات الجيوسياسية. فعلاقاتها الاستراتيجية لن تدفعها نحو تبنّي مواقف لا تتوافق مع مصالحها، أو تتعارض مع توجهاتها العامة وقيمها الثابتة، كما أنها لن تقبل بعلاقات أحادية المنفعة تكون فيها الطرف الأقل استفادة. دخلت المملكة مرحلة جديدة من مسيرتها التنموية، والسياسية، والاقتصادية، وهي مرحلة تحتاج إلى استثمار جميع مقوماتها لخدمة أهدافها الاستراتيجية، وبما ينعكس إيجابًا على تحقيق التنمية الشاملة، وأمن واستقرار المنطقة عمومًا.
جولة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الأوروبية، وقبل ذلك زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة، وعقد قمتَي جدة، أكدت تناغم السياسة الخارجية مع الأهداف التنموية والأمنية والاقتصادية، والرؤية الاستراتيجية الشاملة، وإصرار المملكة على تحقيق أهدافها، وجعلها المحرك الأول لتعميق العلاقات الثنائية، وتحقيق التوازن في العلاقات الخارجية مع جميع الدول الصديقة. يؤكد ذلك زيارة سمو ولي العهد لليونان، التي ربما اعتقدت أن زيارة سموه الأخيرة لتركيا قطعت الطريق على تعميق العلاقات الثنائية وتحقيق الشراكة الاقتصادية معها. لا تعارض بين العلاقات الثنائية، ولا تغليب لمصالح الدول الأخرى على المصالح الوطنية، فمصلحة المملكة تقتضي مد الجسور مع جميع الدول وفق فلسفة المنفعة المشتركة.
كان لافتًا حديث سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع رئيس وزراء اليونان، وقوله: «لقد وعدتك بأنني عندما آتي إلى اليونان لن أكون خالي الوفاض»، وما تضمنه أيضًا من تعداد الفرص الاستثمارية الواعدة التي يمكن من خلالها خلق شراكة اقتصادية عميقة ومستدامة، تتجاوز منفعتها البلدين لتصل إلى أوروبا. زيارة مثمرة مليئة بالفرص الاستثمارية والرؤى المستقبلية المحققة للشراكة الاستراتيجية، والتنمية الاقتصادية، والمعززة للتدفقات الاستثمارية.
اليونان هي بوابة أوروبا، ما يعني أن الربط الكهربائي بينها وبين المملكة، وتحويلها إلى مركز للطاقة الهيدروجينية، سيضمن تزويد أوروبا بمزيد من الطاقة، وبتكلفة أقل.
التعاون في تقنية الاتصال، ومشروع الكابل السعودي - اليوناني، سيجعلان منهما مركزًا عالميًا يربط الشرق بالغرب، ويسهم بشكل مباشر في تعزيز الاقتصاد المعرفي، والبنية الرقمية العالمية.
قد يكون هذا من أهم المشاريع المقترحة، لأهميته العالمية، وارتباطه بالصناعة الرقمية، وأهداف رؤية 2030 التي تركز على الجانب التكنولوجي وصناعة المستقبل.
وفي فرنسا حضرت لغة المصالح بقوة، خاصة في ملف الطاقة، والملفات الأمنية، والاستثمارية، وتعزيز الشراكة الاستراتيجية. نجاح المباحثات الثنائية، والزيارة عمومًا، لم يثنِ المملكة عن مواصلة جهودها في تعزيز شراكاتها مع الآخرين، والتأكيد على أهميتها. دبلوماسية اللقاءات الثنائية، ورسائلها المهمة، كانت حاضرة في لقاء سمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان مع نائب رئيس مجلس الوزراء الروسي بعيد انتهاء زيارة سمو ولي العهد لفرنسا.
من المهم تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع فرنسا، إلا أن الأكثر أهمية ضمان استدامة العلاقات الاستراتيجية مع الدول الأخرى المؤثرة في المجتمع الدولي، وملف الطاقة العالمي. تناغم وتكامل في السياسة الخارجية بما يخدم المصالح الوطنية.
تحقيق التوازن في العلاقات الخارجية، وفق رؤية استراتيجية محققة للمصالح الوطنية، والتركيز على الجانب الاستثماري والاقتصادي، بات نهجًا لسياسة المملكة.
لا يمكن الفصل بين السياسة والاقتصاد، بل بات الاقتصاد المحرك والموجه للسياسة عمومًا، والمحقق للأمن والاستقرار. وأحسب أن سمو ولي العهد من المؤمنين بهذه الفلسفة، ومن المنفذين لها، بحكمة واحترافية، محققة للأهداف الاستراتيجية.