حسن اليمني
انتهجت وزارة التعليم من نظام دراسي مبني على ثلاثة فصول تمتد لأحد عشر شهرا تقريبا، تتخلل ذلك اجازات أسبوعية بين يومين إلى أربعة أيام إضافة للعطل الرسمية، ولم يطل التغيير كمية أو مضامين المناهج ذاتها بزيادة أو نقص، ومن بين الأسباب لهذه الخطوة انه معمول بها في دول أخرى.
لم تُظْهِر وزارة التعليم شرحا وافيا حول هذه الخطوة وضرورتها والأهداف المرجوة منها بالشكل الوافي، ولهذا يصعب على المتابع ان يعطي رأيا في ما يتجاوز المحسوس والمعاش على أرض الواقع بموازينه الإيجابية والسلبية على الطلاب واسرهم، وهذا ما يمكن طرحه امام مسئولي التعليم وإن كان معلوم أنه لم يفتهم دراسته وبحثه.
إن بلادنا بما تزخر به من مساحة شاسعة تتنوع فيها التضاريس والمناخ وأحيانا بشكل حاد بين صحارى ساخنة جافة وسهول ممطرة معتدلة المناخ ربما يجعل خطوة الفصول الثلاثة تأخذ ذلك الاختلاف في الاعتبار على الأقل كتجربة لمدة معينة لدراسة تأثيرات هذه الخطوة والعمل على توضيبها بالشكل المناسب، ولأن ذلك لم يتم فهذا يعني أن حالة المناخ والطقس لم تكن داخلة ضمن انتهاج الفصول الدراسية الثلاثة، بيد أن المناخ له أثر بالغ ومهم على العملية الدراسية سواء كعملية تعليم أو تناسب في الاستعداد والقدرة للطالب أو الطالبة في مواءمته للمزاج والتكوين النفسي الذي يتأثر مع حالة الطقس، وقد تتوفر أدوات المناخ للجو الدراسي من خلال أجهزة التكييف، لكن ذلك لن يمتد إلى ما هو خارج الفصل الدراسي.
إن حساب تكلفة توفير المناخ المناسب ستزيد بحسب زيادة فترة الاستخدام والذي يعتمد على مناخ المنطقة وموقعها، وفي الغالب فإن الصيف يمتد لأكثر من ثمانية أشهر في أغلب مناطق المملكة، وبالتالي كُلفة ذلك المالية مع زيادة كُلفة الصيانة تحتاج إلى زيادة في موازنة المدرسة أو الجامعة، كما أن هذه الزيادة في التكلفة ستمتد إلى أسر الطلبة في وسائل النقل الخاصة إذ لا وجود لوسائل نقل عام في اغلب المناطق إن لم يكن كلها بما في ذلك الرياض التي تنتظر بدء عمل القطار الداخلي الذي لا شك سيوفر وسيلة مواصلات جانبية لكن مهمة، التكلفة لن تتوقف فقط على توفير المناخ المناسب بل ستمتد إلى ذات الفصول الثلاثة وتكلفتها في المدارس الأهلية والجامعات الأهلية، وبما يزيد أعباء الكلفة على أسر الطلاب، فبدل من تكلفة فصلين سيضاف كلفة فصل ثالث بما يعني أن كلفة التعليم سترتفع بما نسبته خمسين في المئة، وفي المجمل فإن تكاليف هذه الخطوة أي ادخال فصل ثالث على موازنة التعليم وأسر الطلاب سترتفع بشكل طبيعي، تكلفة الصيانة وتوفير الضرورات اللازمة بالنسبة لوزارة التعليم سترتفع، وكذلك سترتفع كلفة المواصلات للأسر وصيانة وسائل النقل وحاجات الطلبة سواء استهلاك حاجات التعليم من أدوات وملابس وما إلى ذلك وخاصة في المدارس والجامعات الاهلية، وكما سبق وذكرت أن الارتفاع ربما تجاوز نسبة خمسين بالمئة وهو أمر مرهق ومؤثر.
والأمر لا يتوقف عند التكلفة بل سيطول العلاقات الأسرية ويؤثر على طبيعتها الاجتماعية اليومية المعتادة ويدخل في الوضع النفسي المرتبط بالمناخ وطبيعته وأثر الحركة الآلية في الشارع وارتدادها على الوضع النفسي ومزاج الاستعداد لدى الفرد، وإن كان هذا أثرا خفيا لا يستبين أو ربما لا يوضع في الحسبان إلا أنه مهم ومؤثر سيظهر مع الوقت في طبيعة العلاقات بين الأفراد في الأسرة والمجتمع، وقد يستغرب ان يكون إنشاء فصل إضافي سبب في تأثيرات اجتماعية تخلق مشاكل جديدة ويعتبر ترفا أو رفاهية لا ضرر من استئصالها أو تجاهلها لكن الإنسان يبقى إنسان طبيعته ومحيطه، وتؤثر فيه ارهاصاتها شئنا أم أبينا.
حسناً ما هي ضرورة إضافة فصل ثالث تلك التي تلزمنا بتجاوز حساب التكاليف والأثر في المزاج للفرد والعلاقة المجتمعية؟ بالتأكيد ليس لجودة التعليم، جودة التعليم تعتمد على عملية التعليم ذاتها وتوفر أدواتها وتهيئة مناخها المناسب، المنهج الدراسي والمادة الدراسية ووفرة إمكاناتها المساعدة هي الأساس، والوقت أداة للاحتواء ليس أكثر، والقول إن تمديد الوقت يساعد في ربط الطالب بالتعليم ومناهجه بحيث تبقى المعلومة وتترسخ لا يبدو منطقياً، ومبرر غير مقنع، صفعة على الوجه قد تغير حياة الإنسان والصفعة لا تحتاج لأكثر من ثانية واحدة من العمر، تمديد الوقت إذن لا علاقة له بالتعليم ولا بترسيخه، اما كونه معمولاً به في دول أخرى فعلينا إذن أن نستورد مناخها وطبيعته ووسائل مواصلاته وطبيعة علاقاته الاجتماعية كي نكمل الاستيراد بشكل ناجح، وطبيعي أن هذا أمر غير مطروح، وبالتالي يبقى التبرير هذا أيضا غير قابل للطرح، لكن إن كان ولابد فلماذا لا نستخدم تمديد الوقت في إعادة تنظيم الفصل الدراسي ذاته، بحيث نجعله ثلاثة أو أربعة أيام في الأسبوع أو وضع اجازات قصيرة ولكن أكثر بحيث تجعل التواصل مع التعليم مستمراً دون ارهاق أو زيادة كلفة، بدل أن يكون الفصل الدراسي ثلاثة اشهر فليضاف له شهر إجازات متقطعة تمدده ولا تؤثر عليه، بل تخفف أعباءه سواء على موازنة المدرسة أو الاسرة، وإن كان ولابد من أحد عشر شهراً فيقسم على اثنين ليكون كل فصل مدته خمسة أشهر يتخلله أيام اجازات متعددة وقصيرة، وكذلك دراسة عن بعد لفترة من الفصل لنجمع في ذلك بين استمرار التواصل وتقليل الكلفة وحماية المزاج الاجتماعي العام.
في كل الأحوال غاية التعليم تهذيب النفس والعقل والارتقاء بالمجتمع والوطن وحين يتم تجاهل ذلك من خلال مكننة التعليم بتطبيقات شكلية دون النظر في أثرها على الإنسان في همته واستعداده وحين نسعى لملء الوقت بدلاً من توفير أدوات التعليم وتطوير منهجيته، وحين نجعل أعيننا على رواتب المعلمين وطبيعة عملهم بدلاً من فحص الفصول الدراسية وبحث مدى توفر مناخها الصحي والتعليمي، وحين نزيد أعباء الأسر في تعليم أبنائها كل هذا وذاك يأتي بأثر معاكس لتهذيب النفس والعقل والارتقاء بالمجتمع والوطن، نحن في الواقع في حاجة ماسة للارتقاء بالتعليم من حيث المضمون وليس الشكل، وذلك من خلال ترقية ورفع أهمية التعليم والمعلم والطالب بتوفير كل ما من شأنه جعل المعلومة ثراء وكنزاً يخدم الوطن والأمة، وهندسة التعليم عملية دقيقة تحتاج للخروج من الانانية وعسف الخطوات الشكلية، المعلم مقدس والتعليم ثروة الوطن، كلما ارتقينا بالمدرسة والمعلم ارتقى الطالب، وكلما ارتقى الطالب ارتقى الوطن، الطالب والطالبة هما روح الوطن والمعلم هو قلب التعليم والمنهج عقله، لا يمكن بخس جهود مسئولي التعليم وسعيهم الحثيث للرقي بهذا الجهاز الأهم ولكن كلفة الفصل الثالث على الوزارة والأسر تحتاج لإعادة القراءة.