بدأ التقويم الهجري في زمن الخلفاء الراشدين، وتحديداً في عصر الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حيث جعل مبدأ التاريخ الإسلامي من هجرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.
السؤال الطارح لنفسه: ماذا قبل التقويم الهجري؟
فمنذ خلق الله السموات والأرض والشمس والقمر بدأ التاريخ الحقيقي للبشرية، فلما هبط آدم - عليه السلام - من الجنة، أرَّخ بنو آدم من هبوط آدم، فكان التأريخ حتى بعث الله نوحاً، فأرّخوا من مبعث نوح حتى كان الغرق، وكان التاريخ من الطوفان إلى نار إبراهيم، فلما كثر ولد إسماعيل افترقوا، فأرّخ بنو إسحاق من نار إبراهيم إلى مبعث يوسف، ومن مبعث يوسف إلى مبعث موسى، ومن مبعث موسى إلى ملك سليمان، ومن ملك سليمان إلى مبعث عيسى، ومن مبعث عيسى إلى أن بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن هجرته - عليه السلام - بدأت قصة التاريخ الهجري، فكيف بدأت هذه القصة؟
يعتبر التاريخ الهجري واحداً من أربعة تواريخ يضبط العالم ساعته الزمنية عليها، فالبشر يؤرخون أحداثهم وتفاصيل يومياتهم بأربعة تواريخ وهي: الميلادي والهجري والصيني والفارسي، وفرق اللغويون بين كلمة التأريخ مهموزة وغير مهموزة، فهي مهموزة يقصد بها الفترة الزمنية وبوصلة الوقت، وأما هي بغير همز فتعني تاريخ الدول، وغابر الأيام يقول السخاوي في تعريفه للتاريخ: (إنه من فن يبحث فيه عن وقائع الزمان من حيث التعيين والتوقيف، بل عمّا كان في العالم)، أما ابن خلدون فيقول: (خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لذلك العمران من الأحوال).
وكانت العرب قديماً لا تخرج تواريخها عن أحداثها الدنيوية، وتفاصيلها الحياتية، فالأتراح والأفراح هي مسرح التاريخ، فيؤرخون في ترحهم بالهزيمة في الحرب، أو تفشي الوباء، أو حدوث الزلازل، وأما أفراحهم فهي كسقوط المطر بعد عطش وجفاف، أو النصرة في الحرب، أو قدوم ملك، وكانت العرب تقول: عام بناء الكعبة، عام الفجار، عام الفيل، عام سيل العرم، ثم أطلقوا على كل سنة اسماً خاصاً بها، فقالوا: عام الخندق، وعام الحزن، وعام الرمادة في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .
ويذكر الجبرتي في كتابه: (تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار) أن الصحابة ربطوا تاريخهم بهويتهم الدينية ولا سيّما بعد الهجرة من مكة إلى المدينة، حيث أطلقوا على تلك السنة سنة الإذن بالرحيل، والسنة الثانية بعدها سنة الأمر بالقتال، والسنة العاشرة سنة الوداع.
والتقويم الهجري هو تقويم قمري يعتمد على حركة القمر في تحديد الشهور والمواقيت، فعلامة انتهاء الشهر هي اختفاء القمر، أما ظهور الهلال، فتعرف به بداية الشهر.
ويرتبط التقويم الهجري بكثير من المناسبات الإسلامية كشهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى، وبداية موسم الحج، وتتكون السنة الهجرية من اثني عشر شهراً، وهم على التوالي: محرم، صفر، ربيع الأول، ربيع الآخر، جمادى الأولى، جمادى الآخرة، رجب، شعبان، رمضان، شوال، ذو القعدة، ذو الحجة.
وقسم العرب الشهور الهجرية إلى قسمين:
الأشهر الحرم وعددها أربعة: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم ورجب، وسميت بالأشهر الحرم لأن القتال كان محرماً فيها عند العرب في الجاهلية، واستمر الحال على ما هو عليه حتى بعد ظهور الإسلام، وذلك لقوله تعالى من سورة التوبة: (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
الأشهر الحل: وهي بقية الأشهر الهجرية الاثني عشر، وعددها ثمانية: صفر، وربيع الأول، وربيع الآخر، وجمادى الأولى، وجمادى الآخرة، وشعبان ورمضان وشوال وسميت بالأشهر الحل لأن القتال فيها كان حلالاً عند العرب في جاهليتهم وإسلامهم.
ولأسماء الشهور الهجرية أسباب ومعان على النسق التالي:
* محرم: ويُسمى أيضاً بالشهر الحرام وهو أول شهور السنة الهجرية وسمي كذلك لأنه من الأشهر التي يحرم فيها القتال.
* صفر: هو ثاني الشهور الهجرية وسمي بهذا الاسم نسبة إلى العرب الذين كانوا يتركون بيوتهم صفراً أي خالية وذلك وقت خروجهم للقتال.
* ربيع الأول وربيع الآخر: جاءت التسمية لهما في الربيع فلزمهما ذلك الاسم نسبة إلى العرب الذين كانوا يستثمرون كل ما استولوا عليه من أسلاب في صفر، حيث تقول العرب (ربيع رابع) أي مخصب.
* جمادى الأولى وجمادى الآخرة: وجاءت سبب التسمية نظراً لجمود الماء فيهما بسبب فصل الشتاء.
* رجب: وهو الترجيب والتعظيم.
* شعبان: قيل شعبان لأن العرب كانوا يتشعبون للقتال بعد امتناعهم عنه في شهر رجب، وقيل: لأن العرب كانوا يتشعبون في المناطق بحثاً عن الماء.
* رمضان: سُمي شهر رمضان بهذا الاسم من شدة الرمضاء وهي الحر، وهو شهر صيام المسلمين.
* شوال: سمي بهذا الاسم نسبة إلى الإبل التي تشول أذيالها في بداية فصل الشتاء.
* ذو القعدة: سمي هذا الشهر بهذا الاسم لأن العرب تقعد فيه عن القتال باعتباره أحد الأشهر الحرم.
* ذو الحجة: هو آخر الشهور الهجرية، وسُمي بهذا الاسم نسبة إلى قيام المسلمين بتأدية فريضة الحج فيه.
ولوضع التاريخ الهجري أسباب سديدة منها اتساع الفتوحات الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حتى وصلت إلى جبال الألب في فرنسا، وحيث إن اتساع البلاد شرقاً وغرباً يستوجب دقة وضبطاً في تحديد موارد الدولة ورسم علاقاتها وتحديد أموالها وثمة طرق صرفها، حيث وضعت نظم الخراج وحددت مقادير الجزية، ولعل أدق ما يحرص عليه القائم على رأس السلطة ضبط أموال الدواوين.
هذا وقد ضمت قصة التاريخ الهجري الأحداث التالية:
في السنة السابعة عشرة للهجرة ورد خطاب إلى أبي موسى الأشعري مؤرخاً في شعبان، حيث أرسل إلى الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قائلاً: يا أمير المؤمنين تأتينا الكتب، وقد أرّخ بها في شعبان، ولا ندري أي شعبان هذا هل هو في السنة الماضية؟ أم في السنة الحالية؟ وعلى إثر هذه القصة جمع عمر - رضي الله عنه - الصحابة، وبدأت اقتراحاتهم - رضوان الله عليهم - منهم من قال نأخذ بتاريخ مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وآخر قال: نأخذ بتاريخ وفاته - إلا أنهم أجمعوا فيما بعد على أن تاريخ الهجرة النبوية من أهم الأحداث التي وقعت في تاريخ الدولة الإسلامية، واستشار عمر بن الخطاب كلاً من الصحابيين الجليلين عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - فأقراه، فأصبح هذا الحدث المهم هو بداية التأريخ الهجري للأمة العربية والإسلامية جمعاء، وكان هذا في سنة 622م.
والمشهور أن أول من أرّخ التاريخ الهجري في الإسلام هو عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - . قال: الهجرة فرقت بين الحق والباطل، فأرخوا بها، وذلك في سنة سبعة عشرة، فلما اتفقوا، قال بعضهم: ابدأوا برمضان فقال عمر: بل المحرم، فإنه منصرف الناس من حجهم فاتفقوا عليه.
ومن ذلك الوقت اعتمد المسلمون التقويم الهجري كبداية له، وقد اعتمد بعد سنتين ونصف من خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في ربيع الأول من عام 16 للهجرة، وكان يوم 1 محرم من عام 17 للهجرة هو بداية أول سنة هجرية بعد اعتماد التقويم الهجري.
وهناك أحداث يختص بها شهر محرم وهي:
* يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر منه، وصومه سنة، ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة - رأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى - عليه السلام -، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (فأنا أحق بموسى منكم) فصامه وحض على صيامه، ويستحب صيام يوم قبله أو بعده منعاً للتشبه باليهود.
* ومن الأحداث المهمة التي وقعت في هذا الشهر قدوم الأحباش، أصحاب الفيل بقيادة أبرهة الأشرم إلى مكة لهدم الكعبة، وسُمي ذلك العام بعام الفيل، وفي هذا الشهر صرفت القبلة إلى بيت المقدس في أول الإسلام وظلت هكذا 16 أو 17 شهراً حُولت بعدها إلى الكعبة، كما اختطت البصرة بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في المحرم عام 14هـ وفي الثاني من محرم سنة 20هـ تم فتح مصر على يد القائد المسلم عمرو بن العاص.
* ويوافق العاشر منه وقعة كربلاء المعركة التي واجه فيها الحسين بن علي وصحبه جيش الأمويين والتي استشهد فيها الحسين وكان ذلك عام 61 هـ.
* ومن الحوادث التي يُقال إنها وقعت في هذا الشهر أن الله سبحانه وتعالى نجى فيه نوحاً من الغرق، ورفع فيه إدريس فوق السماء الرابعة، وأطفأ نار النمرود عن إبراهيم، ورد إلى يعقوب ولده وبصره، وتاب على داود وجعله خليفةً في الأرض، ورد على سليمان ملكه، وأنجى موسى وقومه من فرعون، وفيه رفع عيسى عليه السلام إلى ربه.
وبعد:
فلا يوجد دولة، ولا تكون أمة، إلا لها تاريخ معروف، يرجعون عليه، ويعوّلون عليه، ينقله صغيرها عن كبيرها وخلفها عن سلفها، تقيد به شوارد الأيام، تنصب به معالم الأعلام، ولولا ذلك لانقطعت الوُصل، وجُهلت الأول.
مراجع المادة:
- التاريخ الهجري. أسباب اختيار شهر محرم ليكون بداية التقويم. محمد صبري عبد الرحيم البلد. الأحد 8 - 1 أغسطس 2021م.
- التاريخ الهجري هوية المسلمين. قصة الإسلام 2 - 12 - 2018م.
- قصة التاريخ الهجري. قصة الإسلام 2 - 12 - 2018م.
- المعرفة - محرم.
- كيف نشأ التاريخ الهجري. الحسين أكروم. هسبريس. السبت 29 أغسطس 2002م.
- بعد مرور 1440 عاماً على الهجرة النبوية لماذا بدأ التقويم الهجري. جامعة العين. سبتمبر 11 - 2018م.
** **
- حنان بنت عبدالعزيز آل سيف -بنت الأعشى-
عنوان التواصل: hanan.alsaif@hotmail.com