رؤية - خالد الدوس:
لا شك أن من المبادرات الحضارية الوطنية في رؤية المملكة (2030) التي يقودها مهندسها وعرّابها سمو ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- نشر قيم التسامح والتعايش، ونبذ العنف والكراهية، ومحاربة كل أشكال العنصرية ومظاهر التعصب سواء، التعصب الديني، أو التعصب القبلي، أوالتعصب الاجتماعي، أو التعصب الرياضي. وتعزيز ثقافة الحوار الوطني البنّاء بين فئات ومكونات وأطياف وشرائح المجتمع. وذلك استشعاراً من القيادة الحكيمة بخطورة الصراعات الفكرية، ومظاهر التعصب وأثرها في التماسك الاجتماعي ووحدة الوطن ومكتسباته.
* والأكيد أن (التعصب الرياضي) يشكل ظاهرة عالمية موجودة في كل المجتمعات، غير أن نسبتها ومعدلاتها تختلف طبقاً لوعي المجتمع وبعده الثقافي وعمقه الحضاري، والتعصب ومكروباته يعد من أبرز القضايا الاجتماعية النفسية التي يلاحظ انتشارها في المجتمع الرياضي وهو جزء من نسيج مجتمعنا الكبير الذي يعيش في واقعه المعاصر مرحلة شبابه، على اعتبار أن ما يقارب (65 في المائة) من تركيبته الديموغرافية تمثّلها فئة الشباب.. وهي الأكثر متابعة للرياضة وميلها للتشجيع والانتماء للأندية الرياضية، ومعظمها تعيش تحت مظلة (التعصب الرياضي) الذي يشكّل الإعلام الرياضي بشقيه الرقمي والتقليدي.. أحد العوامل المؤثّرة في إذكاء روح التعصب المقيت ونشر ثقافة الإقصاء ومفردات الكراهية والعنف والغوغائية داخل المجتمع الرياضي.. فأضحي مرض التعصب الرياضي أحد (البثور السوداء) في وجه الرياضة الجميل وأهدافها النبيلة.. يشوّه جمال المنافسة الشريفة، ويعبث في مكنونات الروح الرياضية ومفهومها الحضاري.. وبذات الوقت يمثّل معوقاً من معوقات التنمية الرياضية.. والرياضة كممارسة فكرية تسمو بالأخلاق والفضيلة وتنمي قيم المحبة والألفة وتعمّق روح التواصل والتعاون.. وتعزِّز قيمة وثقافة الحوار وأدبياته، وأمام هذه الظاهرة المجتمعية الخطيرة بات من الأهمية بمكان علاج ومكافحة هذا المرض الاجتماعي وضبط توازنه.. وهذا لن يتأتى إلا بالاعتراف بوجوده، وأنه من العوامل السلبية التي التصقت بالمنافسات الرياضية خصوصاً في الآونة الأخيرة التي تشهد تطوراً في وسائل الإعلام الرقمية المتنوّعة والإثارة الممجوجة التي كثيراً ما تجلب ثقافة الإقصاء والتعصب والعنصرية والكراهية وزراعة الفتن والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وبالتالي تظهر عديد من العمليات الاجتماعية المناهضة لقواعد الضبط الأخلاقي والمهني والاجتماعي.. فلم يعد التعصب الكروي في مجاله الرياضي وسياقه الاجتماعي وإطاره الانتمائي فقط..!! بل الأمر تطور ووصل للدين والمساس بالعقيدة والعياذ بالله وتجاوز كل معايير وقيود الرأي الرياضي وحدود التعصب، وبالتالي السقوط في مستنقع الألفاظ التكفيرية والعبارات الجاهلية واتهام بالكفر والشرك، ولذلك ورد الوعيد الشديد في شأن من يحكم على مسلم بالكفر وهو ليس كذلك. ثبت عند الإمام البخاري عن أبي ذر قال: قال النبي صلى الله وعليه وسلم: (لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدعليه إن لم يكن صاحبه كذلك).
* القيادة الحكيمة تحارب التعصب بكل مظاهره وأشكاله القبلي والرياضي والديني والاجتماعي وتحذر من خطورة التكفير والفكر المتطرف والعنف ومظاهره التي تخلق أنماطاً من (العقول المتعصبة) المشبعة بالكراهية والأحقاد نحو الآخر وهو آفة اجتماعية وفكرية وأخلاقية خارجة عن القيم الدينية والسلوكيات الحضارية.
* ولأن الدين والطعن في العقيدة (خط أحمر) لا يسمح بالاقتراب منه والمساس بثوبته، وحتى لا تتسع دائرة التعصب الرياضي، والدخول في الشريعة الإسلامية بعبارات تكفيرية وكلمات جاهلية.. ينبغي سن أنظمة حازمة لردع «المتعصبين» وضبط «المتهورين» الذين يتجاوزون كل حدود القيم المهنية ومساحات الرأي العام الرياضي، مع مشاركة (فاعلة) من مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ضمن مشروعاته وبرامجه التنويرية» في رفع سقف (الوعي) الرياضي المجتمعي، وترسيخ قيم الحوار الحضاري ليصبح أسلوباً للتعامل في الوسط الرياضي، خاصة وأن المجال الرياضي يعد الأكثر استيعاباً واتساعاً للمناطقية والفئوية والعنصرية والتعصب والمشاحنات والغوغائية التي تؤثر في ثقافة ووعي وقيم المجتمع بشكل عام.