عبده الأسمري
من أعماق اليقين إلى آفاق التحصين أقام صروح «النفع» اليومي للمسلم و»الشفع» المستديم للمؤمن موظفاً «طرائق» الدفاع عن «ساحات» الأنفس و»خرائط» الانتفاع في «اتجاهات» العيش للوقاية من «الفتن» والسلامة من «الشرور»..
أجاد «الاختصار» ووظف «الانتصار» في كتيب «حصن المسلم اليومي» المشهور الذي كان وسيظل «حجر» الزاوية لمؤلفات «الأدعية والأذكار» والقرين النافع في مقتنيات المنازل والرفيق الشافع في رحلات السفر.
ما بين «ميادين» الجيش و»مضامين» الدعوة و»عناوين» التأليف لاحق «بعد» نظره بهمة «الدعاء» واجتاز «حد» هدفه بمهمه «العطاء».
استلهم من «الإمامة» حظوة «الاستقامة» التي شكلت له مشاريع «الاستدامة» ليعيش مقيماً في «محاريب» التقوى وقائماً في مواطن الشرف..
حصد «هدايا» المعرفة ووزع «عطايا» الزكاة بأياد «سخية» ونفس «تقية» و»ذات» نقية..
إنه مؤلف كتاب «حصن المسلم اليومي» الشيخ الدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني رحمه الله أحد أبرز المؤلفين والأسماء الخالدة في ذاكرة «الوطن» والعالم الإسلامي..
بوجه جنوبي تحفه سمات «الوقار» وتملؤه ومضات»الزهد» وتقاسيم تتشابه مع أسرته العريقة المنحدرة من «قحطان» الجنوب ومحيا وقور أكملته علامات «المشيب» بهاءً وزهاءً زاخر بالسمت تشع منه إيحاءات «التدبر» وتنبع وسطه ايماءات «التفكر» المتعامدة على شخصية «متدينة» ترفل بالتقى وتسمو بالالتزام وأناقة وطنية وكاريزما ترفل بالقيمة وترتقي بالمقام وصوت مملوء بمفردات اللغة ودواعي اللهجة مع عبارات دينية قويمة تستند على «مخزون» إيماني عامر بالفهم وغامر بالفكر قضى القحطاني من عمره عقوداً وهو يملأ المكتبات الإسلامية والمعارض الدينية بعشرات الكتب القيمة ويعمر منابر المساجد بالصالحات والدعوات ويبهج مجالس الذكر بالطاعات والحسنات ويورث للمسلمين «غنيمة» معرفية في كتابة «حصن المسلم» اليومي والذي يقتنيه ويقرأه مئات الملايين من البشر حول العالم..
في قرى «العرين» شرق منطقة عسير القابعة وسط الخضرة والماء العذب ولد القحطاني في يوم زاهر بالبشرى عام 1372 ونشأ بين أب وجيه من أعيان بلدته امتاز بالكرم والجود ووأم متفانية اشتهرت بالخير والعطف وركض مع أٌقرانه صغيراً بين المزارع والحقول مردداً أهازيج القبيلة وأناشيد المرحلة واكتملت في ذهنه «جغرافية» مذهلة جمعت السهل والجبل والماء والواحات الزراعية والأودية في مكان واحد وظل يرتقب «فروض» الصلاة منصتاً لصوت «الحق» في مسجد «قريته» سائلاً عن أبجديات»القراءة» في حضور أبيه وأولويات العاطفة في حضرة أمه وظل يرتقب جموع «القبائل» في اجتماعهم الشهري وهي تقدم دروس «إغاثة» الملهوف و»إعانة» العابر حتى يملأ قلبه المكتظ بأسئلة الدهشة والممتلئ باستفسارات النباغة.
رعي القحطاني «الغنم» صغيراً وتعتقت روحه بنسيم «الليل» في مساءات راحته وتشربت روحه عبير «النخيل» في نهارات كدحه متخذاً من الهمم وجهة ثابتة يبتغي فيها «الثناء» ومن القيم نتيجة مؤكدة ينال منها «السداد».. وظل يعانق آفاق قريته كل مساء بأمنيات أولى أفضى بها على مسامع والديه واضعاً «التدين» الباكر مغنم أول حدد له «قبلة» الرقي ووجه له «بوصلة» السمو في ثنايا ظروف عسيرة كانت له بمثابة «التجربة» ومثوبة «الهبة».
التحق القحطاني بالدراسة متأخراً نتيجة «مصاعب» العيش و»متاعب» الرزق حيث درس بمدرسة العربي الابتدائية وعمره خمسة عشر عاماً 1387 وأنهي فيها السنة الأولى والثانية والثالثة ثم التحق بالخدمة العسكرية بالقوات المسلحة عام 1390 برتبة جندي بسلاح المدرعات وظل فيها حتى وصل إلى رتبة عريف، ولأنه شغوف بالتعلم وواصل دراسته بالمدارس الليلية وفي عام 1399 انتقل القحطاني إلى الرياض باحثاُ عن مسارات لأمنياته ومساحات يجني منها ثمار أحلامه والتحق بالعمل في إدارة الشؤون الدينية بالقوات المسلحة بعد أن غير تخصصه.. وواصل تعليمه وحصل على الشهادة الثانوية عام 1400 .. التحق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في كلية أصول الدين وتخرج منها عام 1404 وكانت رتبته العسكرية آنذاك رقيب حيث قدم استقالته من السلك العسكري في ذات العام، ثم تم تعيينه داعية بالرئاسة العامة لإدارات البحوث والافتاء والدعوة والإرشاد عام 1405، وعمل داعية بوزارة الشؤون الإسلامية على وظيفة مستشار دعوي.
درس على يد الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز وحضر دروسه وتلقى على يديه العديد من المعارف لمدة عشرين عاماً... وفي عام 1412 حصل على شهادة الماجستير بامتياز من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ثم نال الدكتوراه من ذات الجامعة بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى في عام 1419ه. وكانت رسالته: «فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري».
حصل على ثلاث إجازات في القرآن الكريم.. وتم اختياره إماماً وخطيباً لجامع الفاروق في إسكان أفراد القوات المسلحة بالرياض من عام 1402 حتى عام 1424 ثم إماماً وخطيباً لجامع الأمير بندر بن محمد بالرياض حتى وافته المنية، كان يقضي أغلب وقته في المسجد وحافظاً لكتاب الله يراجعه ويختمه كل ثلاثة أيام، وقد حج أكثر من 37 حجة.
اشتغل بالتأليف وكان يخصص له وقتاً كبيراً وجهداً مضاعفاً إمعاناً منه في نفع الآخرين ونشر الإرث المعرفي حيث صدر له حوالي 130 مؤلفاً في ضوء الكتاب والسنة أبرزها «حصن المسلم» الذي ترجم إلى 44 لغة أجنبية وترجمت له أكثر من 98 من مؤلفاته إلى لغات أخرى..
انتقل القحطاني إلى رحمة يوم الاثنين 21 محرم 1440هـ بعد معاناةٍ مع المرض عن عمر يناهز 68عامًا وحضر جنازته الآلاف وشيع في موقف «مهيب» و»مؤثر» نظير سمعته وسيرته وأثره.
الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني.. المؤلف الشهير والداعية المؤثر والإمام الهمام والخطيب المفوه الذي رسخ «أحقية» المآثر وجنى أسبقية «الأثر» في قوائم «الذكر المستحق» ومقامات «الشكر الواجب».