د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
حينما أعلن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد عن إطلاق مشروع نيوم في أكتوبر 2017 تسمية المشروع NEOM مشتقة من اللغتين اللاتينية واللغة العربية تعني المستقبل الجديد ذي التوجه العالمي، وأن يرتبط المستقبل في هويتها الأساسية، في اسمها وقيمها ورؤيتها، من أجل أن تكون صانعة التقدم والتغيير، لكنه معبراً عن البعد الثقافي والحضاري ومواءمته للهوية العالمية والبعد الإنساني انطلاقاً من قوله تعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ) والطموح الكبير، ومن تلك اللحظة انطلقت أنوار نيوم في سماء العالم لتبشر بفجر مضئ ومستقبل واعد، وحياة زاخرة في أرض يبنيها الإنسان من أجل الإنسانية جمعاء.
فتصاميم ذا لاين تتمحور حول الإنسان، وتمثل نموذجاً عالمياً رائداً غير مسبوق، وسيصبح النموذج الذي يستلهمه العالم من السعودية، ومن صاحب الفكرة ولي العهد السعودي، مشروع يحقق الاستدامة، ومثالية العيش، ليس فقط المشترك بين البشرية جمعاء، بل أيضاً العيش بالتناغم مع الطبيعة.
فهي لم تكن فقط مبادرات، بل ستصبح حقيقة على أرض الواقع من أجل تقديم رؤية للعالم لما يجب أن تكون عليه مدن المستقبل، والمجتمعات الحضرية التي يمكن أن تعيش في بيئات خالية من الشوارع والسيارات والانبعاثات، فالمشروع لم يتجاهل أزمة البيئة، وكذلك أزمة طريقة الحياة اللتين تواجهان مدن العالم.
يهدف المشروع حقيقة لإعادة تعريف مفهوم التنمية الحضرية وما يجب أن تكون عليه مدن المستقبل، وتأتي تصاميم مدينة ذا لاين انعكاساً لما ستكون عليه المجتمعات الحضرية مستقبلاً في بيئة خالية من الشوارع والسيارات والانبعاثات، وتسهم في المحافظة على 95 في المائة من أراضي نيوم للطبيعة، وتعتمد على الطاقة المتجددة بنسبة 100 في المائة، لجعل صحة الإنسان ورفاهيته أولوية مطلقة بدلاً من أولوية النقل والبنية التحتية كما في المدن التقليدية.
من أهم مواصفات مدينة ذا لاين أن عرضها يبلغ 200 متر فقط على امتداد 170 كيلو متراً، وارتفاع 500 متر فوق سطح البحر، وستبنى المدينة فوق مساحة لا تتجاوز 34 كيلو متراً مربعاً، وستتسع لنحو 9 ملايين نسمة، وهو أمر غير مسبوق تماماً في مدن بهذا الحجم، والوصول إلى جميع الخدمات في 5 دقائق، لأنه مشروع يركز على مفهوم انعدام الجاذبية، أي توزيع وبناء مكونات المدينة على شكل طبقات عمودية، ما يتيح للناس إمكانية التحرك في جميع الاتجاهات الثلاثة إلى الأعلى والأسفل وكذلك بشكل أفقي، تختلف عن المباني الشاهقة، بجانب وجود قطار فائق السرعة يصل بين طرفي المدينة في غضون 20 دقيقة، وهو بدوره يقلل من تمدد البنية التحتية، ويعزز من كفاءة واستدامة المدينة.
ليس هذا فحسب بل سيتم تغطية جانبي المدينة الخارجيين بأسطح زجاجية عبارة عن مرايا عاكسة تمنحها طابعاً فريداً تسمح لتفاصيلها بالاندماج مع الطبيعة، وجميع مشاريع المدينة تستخدم أحدث التقنيات الرقمية في البناء وفي عمليات التصنيع، حيث أعلنت في وقت سابق عن إطلاق أوكساجون مدينة الصناعات المتقدمة، وتروجينا الوجهة السياحية العالمية التي تقدم أول تجربة للتزلج على الثلج في الهواء الطلق في المنطقة، إلى جانب إطلاق شركتين تابعتين لنيوم وهما شركة إنوا التي تعنى بالابتكارات وصناعة الطاقة والمياه والهيدروجين، وشركة نيوم التقنية الرقمية.
هذه تصاميم استثنائية توضح الهيكل الداخلي للمدينة متعددة الطبقات، تعالج إشكالية المدن الأفقية التقليدية التي تستهلك البيئة، وفي نفس الوقت الحفاظ على الموارد، وستكون نيوم في طليعة المدن التي تقدم الحلول المبتكرة، بحيث تكون نيوم بالفعل مكاناً للحالمين الذين لديهم بصمتهم الابتكارية والإبداعية، وستعيد ذا لاين تعريف مفهوم التنمية الحضرية لأول مرة منذ 150 عاماً، وستتوالى مفاجآت نيوم للعالم أجمع، حتى تتحول نيوم إلى واجهة عالمية رائدة تحمل مسؤولية رسم ملامح المستقبل على مستوى العالم، والإسهام في تقدم البشرية، وتجسيد الحاضرة التي تنبض بالحياة والنمو والطموح، يمكن أن تحل مستقبلاً مكان سويسرا كمدينة هادئة بعيدة عن الضوضاء، ومكاناً للاسترخاء.
تعد نيوم أحد المشروعات العملاقة ضمن المحفظة الاستثمارية المتنوعة لصندوق الاستثمارات العامة، وبدأ التطوير في ذا لاين في 2021، إذ تشكل جزءاً مهماً من أعمال التطوير المكثفة الجارية في نيوم، أحد أهم المشاريع المنوعة على مستوى العالم في بقعة جغرافية واحدة، فهي المدينة والمشروع والمجتمع المليوني، وستعمل على صعيد التنويع الاقتصادي من خلال توفير أكثر من 400 ألف وظيفة، والمساهمة بإضافة أكثر من 180 مليار ريال إلى الناتج المحلي الإجمالي في 2030.