الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد باحث متخصص في الإدارة التربوية والمجال الوقفي حاجة المجتمع لجميع أنواع الوقف، ولاسيما المجالات الصحية والتعليمية، مطالبًا الهيئة العامة للأوقاف ببناء التشريعات اللازمة لبيئة العمل الوقفي بالمملكة.
الدكتور عبدالمجيد بن عبدالرحمن آل ذواد صاحب أول دراسة علمية تتناول تجربة الجامعة الوقفية قال في حواره مع "الجزيرة": لا بد من الاستفادة من خبرات الجامعات الأمريكية في مجال الأوقاف إذ إن عراقة الوقف في الجامعات تحتم الإفادة منهم، وتجربتهم في هذا المجال. وتناول الحوار مع الدكتور عبدالمجيد آل ذواد عددًا من المسائل عن الجامعة الوقفية وتجربتها في المملكة، وغير ذلك من الموضوعات المتعلقة بالساحة الوقفية.
وللدكتور عبدالمجيد آل ذواد جهود علمية متنوعة في البرامج التدريبية، والتحكيم العلمي، والحقائب التدريبية، وخبرات عملية وعلمية في الميدان التربوي والوقفي. وفيما يأتي نص الحوار:
* تخصصكم في الإدارة والتخطيط التربوي؛ فما علاقة ذلك بالأوقاف؟
- إن تخصص الإدارة والتخطيط التربوي يدرس إدارة المؤسسات التعليمية بشقيها التعليم العام والعالي، والتعليم العالي يتضمن أشكالاً من التعليم الحكومي والخاص، والخاص إما أن يكون ربحيًّا أو غير ربحي، والأوقاف تندرج تحت الجزء غير الربحي. هذا من جهة، ومن جهة ثانية يتناول التخصص موضوعات تمويل التعليم واقتصادياته؛ فالأوقاف واستثماراتها تعتبر أحد مصادر تمويل التعليم.
* وما سر اختيارك البحث عن الجامعة الوقفية؟ وما المقصود بذلك، خاصة أن المشهور هو أوقاف الجامعات؟
- القارئ للتاريخ الإسلامي يجده حافلاً بما كان يسمى مدارس، وهي في الحقيقة (جامعات) رائدة، قامت على فكرة الوقف، كجامعة القرويين والنظامية والزيتونة والأزهر.
ثم من ينظر إلى ما وصل إليه الغرب -ولاسيما في الجامعات الأمريكية- في مجال الأوقاف التعليمية، من حيث ضخامتها واستثمارها، يجد ضرورة الاستفادة من هذه الخبرات.
فلما نظرت إلى هذا الإرث الحضاري، وإلى هذه الخبرات العالمية المعاصرة، وما لدينا من مقدرات وطنية في المملكة العربية السعودية، ومؤسسات مانحة، ومحبي فعل الخير؛ أردت أن أبعث هذا المفهوم بصورة معاصرة. وانطلاقًا من ذلك قدمت مفهومًا جديدًا هو الجامعة الوقفية بدلاً من المفهوم السائد أوقاف الجامعات، كما حكّمت في هذا المفهوم من أكثر من 30 خبيرًا في مجالات متنوعة.
وأقصد بالجامعة الوقفية أنها "مؤسسة غير ربحية للتعليم الجامعي، تخضع لأنظمة وزارة التعليم، ولها إدارة مستقلة، وتعتمد في تمويلها على الأوقاف، وعوائد المشروعات الاستثمارية والدراسات والأبحاث بصورة رئيسة، إضافة إلى ما تشارك فيه غيرها من الجامعات من مصادر التمويل الأخرى".
* إذن فكرة الجامعة الوقفية مستمدة من التاريخ الإسلامي، هل هذا صحيح؟
- نعم إلى حد ما، لكنها تجمع بين أصالة الفكر الحضاري الإسلامي وأبرز الممارسات العالمية المعاصرة في إدارة الوقف واستثماره وتنميته.
* وكيف ترى تجربة الجامعات الوقفية في المملكة؟ وكيف يمكن الاستفادة من تجربة الجامعات الوقفية العالمية؟
- تحظى الجامعات في المملكة العربية السعودية بدعم كبير من قيادتنا الرشيدة، خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله-، فقد نصت رؤية 2030 على التعاون مع القطاع الخاص والقطاع غير الربحي في تقديم المزيد من البرامج والفعاليات المبتكرة لتعزيز الشراكة التعليمية، وعلى أن يكون للقطاع غير الربحي فاعلية أكبر في قطاع التعليم.
وتلا ذلك إصدار نظام الجامعات الجديد، الذي نص على أنه يجوز للجامعة أن تنشئ لها أوقافًا يكون لها الشخصية المعنوية المستقلة، ويجوز للجامعة ولأوقافها تأسيس الشركات أو المشاركة في تأسيسها أو الدخول فيها شريكًا أو مساهمًا وذلك وفقًا للإجراءات النظامية؛ مما سيسهم في نمو وازدهار أوقاف الجامعات في المستقبل القريب إن شاء الله تعالى. وتجربة الأوقاف الجامعية في المملكة العربية السعودية حديثة فضلاً عن الجامعة الوقفية، ولا يمكن الحكم عليها قبل نضوج الممارسة، لكنها بوجه عام تتجه في الاتجاه الصحيح في ظل وجود المجلس التنسيقي لأوقاف الجامعات السعودية، والدور الذي تقوم به الهيئة العامة للأوقاف، ويمكن الاستفادة من أمثل التجارب العالمية، ولاسيما الجامعات الأمريكية؛ وذلك لعراقة الوقف فيها، وذلك عبر نقل القائمين على أوقاف الجامعات السعودية والمسؤولين عنها هذه التجارب وبيئتها بما يتوافق مع الأنظمة وواقع الجامعات السعودية.
* ركزتم في دراستك للجامعة الوقفية على ثلاثة جوانب، هي: الإدارة، والتمويل، والاستثمار. لماذا؟
- إن هذه الجوانب الثلاثة هي ما يميز الجامعة الوقفية عن غيرها، أما ما سواها كالجوانب التعليمية والأكاديمية وغيرها فهي تخضع للأنظمة المعمول بها في الدول التي تناولتها الدراسة المقارنة؛ فالجامعة الوقفية يكون لها إدارة ذات رؤية واضحة في الاستقلال الإداري والمالي؛ لتحقيق الاعتماد على التمويل الذاتي، والقدرة على تنويع مصادر تمويل الجامعة، ثم القدرة على استثمار هذه الموارد، وذلك في ظل وجود حوكمة تمنع تضارب المصالح، وتحقق الشفافية والمحاسبية؛ لمنع وجود أي فساد إداري أو مالي.
* وما رؤيتك حول أوقاف الجامعات السعودية؟
- من خلال دراستي وجدت أن أوقاف الجامعات تأخذ ثلاث صور، هي: إما أن تكون إدارة الاستثمار إدارة في الجامعة ضمن هيكلها التنظيمي، وإما أن تكون شركة مستقلة والجامعة تشرف عليها، وإما أن تكون الجامعة تابعة لشركة أو مؤسسة وقفية كما في نموذج جامعة سليمان الراجحي، فهي أحد مصارف أوقاف الراجحي.
وبرأيي إن الأفضل هو نموذج (الشركة المستقلة) كما في جامعة هارفارد؛ لكفاءة إدارة الاستثمار فيها، ولأنه الأشهر في كبرى الجامعات الأمريكية، والأكثر مهنية واحترافية واستقلالية، وواقع بعض الجامعات جعلها تسند إدارة الأوقاف لبعض منسوبيها من أكاديميين وغيرهم، وقد عاملوا إدارة الوقف معاملة الوظائف الأخرى، والأولى أن يتولى إدارة أوقاف الجامعة شركة مستقلة إداريًّا وماليًّا؛ لتكون بمنزلة الذراع الاستثماري للجامعة، ويكون دور الجامعة إشرافيًّا، مع وجود حوكمة عالية، ومحاسبية، ومساءلة مستمرة، وأن تمكن هذه الشركة من استثمار مرافق الجامعة وجميع مواردها؛ ليتسنى لها زيادة إيراداتها واستغلال الفرص والإمكانات المتاحة، وهذا يؤكد مبدأ التحول نحو مفهوم الجامعة الوقفية بدلاً من أوقاف الجامعات.
* وكيف يمكن أن تسهم هيئة الأوقاف في التعليم؟ وما أبرز المجالات الوقفية التي يحتاج إليها المجتمع؟
- الهيئة العامة للأوقاف تضطلع بأدوار كبيرة جدًّا؛ لاتساع الرقعة الجغرافية للمملكة العربية السعودية، ولضخامة الأوقاف وكثرتها، ولكون العمل الوقفي (وهو جزء من القطاع غير الربحي) قد أنيطت به المساهمة في رفع الناتج المحلي، بحسب ما تنص عليه رؤية 2030.
والهيئة -وفق الله القائمين عليها- تولي أوقاف الجامعات اهتمامًا كبيرًا، فقد أقامت مؤخرًا مؤتمر أوقاف الجامعات السعودية، وكان مؤتمرًا مميزًا جمع بين النظرية والممارسة، ولم يقتصر على الجانب العلمي فقط، فقد ضم جمعًا من المختصين من أصحاب السمو والمعالي والسعادة رؤساء الجامعات، والمسؤولين عن الأوقاف في الجامعات، ورجال الأعمال، ومديري قنوات الاستثمار، إضافة إلى قيادات الهيئة العامة للأوقاف وغيرهم. ومن أهم ما يمكن أن تسهم به الهيئة في الوقت الراهن هو بناء التشريعات اللازمة لبيئة العمل الوقفي في المملكة، وإصدار اللوائح المنظمة لعمل أوقاف الجامعات بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة (وزارة التعليم، والهيئة العامة للزكاة والدخل، والهيئة العامة لعقارات الدولة وغيرها)، وبناء معايير لكفاءة أداء الأوقاف، وإطلاق جوائز تميز للأوقاف، ونمذجة الأوقاف المتميزة، والاستمرار في إقامة مؤتمر أوقاف الجامعات السعودية دوريًّا، ونقل توصيات المؤتمر إلى حيز التنفيذ.
والمجتمع يحتاج لجميع أنواع الوقف، ولاسيما المجالات الصحية والتعليمية، كما يحسن إيجاد أوقاف في مجالات جديدة أو مبتكرة، والابتعاد عن المجالات الشائعة من الوقف. وهذا لا يعني التقليل من قيمة هذه الأوقاف، بقدر ما هو حث على الأنواع الأخرى التي تمس الحاجة إليها.
* وما أبرز ما توصلت له دراستكم من رؤى ومقترحات؟
- دراستي هي أول دراسة تتناول تجربة الجامعة الوقفية المتمثلة في جامعة سليمان الراجحي. وقد توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج، منها:
تقديم مفهوم الجامعة الوقفية، وأنها ترتكز على ثلاثة أبعاد، هي (الإدارة، والتمويل، والاستثمار)، ويمثل الوقف أهم مصادر تمويل جامعة هارفارد، والمصدر الرئيسي لتمويل جامعة سليمان الراجحي. وتميزت جامعة هارفارد بضخامة استثماراتها وحسن إدارتها؛ إذ بلغت قيمة أوقاف جامعة هارفارد 39.2 مليار دولار، وكشفت نتائج الدراسة عن تصور مقترح لإدارة الجامعة الوقفية بالمملكة العربية السعودية في ضوء خبرة الجامعات الأمريكية والماليزية، مع ضرورة تفعيل الشراكات مع القطاع الخاص والمؤسسات غير الربحية؛ لأنها مصدر من مصادر التمويل المهمة، وأهمية إنشاء صندوق وقفي للجامعة، بحيث يمكن لأي جمعية أو مؤسسة أو فرد دعم الجامعة من خلال هذا الصندوق.
** **
- د. عبدالمجيد آل ذواد