د. عبدالحق عزوزي
أعلن المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية (أي إف أو) منذ أيام أن مناخ الأعمال في أقوى دولة اقتصادية وصناعية في أوروبا، وأعني بذلك ألمانيا، قد عرف تراجعاً كبيراً خلال شهر يوليو/ تموز الجاري. وأشار المعهد في بيان إلى تراجع المؤشر الشهري الذي يُحتسب بناء على استطلاع لتسعة آلاف شركة ألمانية ويعطي فكرة عن مختلف الأنشطة الاقتصادية في البلد، إلى 88.6 نقطة في تموز / يوليو بعدما كان 92.2 نقطة الشهر الماضي، مسجّلًا «أدنى مستوى له منذ حزيران/ يونيو 2020». ولا غرو أن هذا المؤشر يُظهر أن ألمانيا على أعتاب ركود صعب جداً في وقت ترخي أسعار الطاقة المرتفعة والتهديد بحصول نقص في إمدادات الغاز بثقلها على الاقتصاد.
ويظهر حسب المتتبعين أن التراجع كان حادًا بشكل خاص في قطاع الصناعة، حيث «بلغ التشاؤم للأشهر المقبلة أعلى مستوياته منذ نيسان/ أبريل عام 2020؛ كما أن «ضعف الطلب العالمي وتوترات سلسلة التوريد» ترخي أيضًا بثقلها على الاقتصاد الألماني.
ويثير التهديد الروسي بقطع إمدادات الغاز عن ألمانيا بسبب دعم برلين لأوكرانيا، المخاوف من حصول نقص خطير في موارد الطاقة في نهاية العام، فبحسب المحللين إن «أي تصعيد آخر في أزمة الطاقة سيمثل خطرًا رئيسيًا على الاقتصاد الألماني مع اقتراب فصل الشتاء..». وتبعات هذا القطع لا يشكل خطرا فقط على ألمانيا وإنما على عديد من الدول الأوروبية التي لا تعرف كيف تواجه هذا التحدي.
وفي نفس الوقت، هبط سعر صرف اليورو منذ أيام إلى ما دون عتبة الدولار الأمريكي الرمزية للمرة الأولى منذ 2002... وقد تأثرت العملة الأوروبية الموحدة بتأجج المخاوف من الوقف التام لصادرات الغاز الروسية إلى أوروبا؛ فالحكومات الأوروبية بدأت تتحدث عن «احتمال» قطع الإمدادات الغازية الروسية لتخسر العملة الأوروبية قرابة 12 في المائة من قيمتها منذ مطلع العام؛ ونظرا إلى النمو الضعيف في منطقة اليورو، يمكن للبنك المركزي الأوروبي أن يزيد معدلات الفائدة لكن بصعوبة، من أجل مكافحة التضخم الذي بلغ في حزيران/ يونيو 5.8 في المائة في فرنسا و7.6 في المائة في ألمانيا، بحسب الأرقام الأخيرة التي نشرت في أوروبا.
ويقول المحللون إن تدهور اليورو يمكن أن يأخذ منحنيات خطيرة، ويعتمد ذلك على الأرجح على رغبة روسيا في مفاقمة الحرب الاقتصادية مع أوروبا، خاصة وأن «معرفة نوايا الرئيس فلاديمير بوتين ليس أمراً سهلاً».... فمثلاً ساعات بعد أن وقعت روسيا وأوكرانيا بوساطة تركيا وتحت رعاية الأمم المتحدة اتفاقاً يتيح فتح ممرات بحرية عبر البحر الأسود ومروراً بتركيا بغية إخراج القمح الأوكراني والروسي إلى السوق العالمية، قامت روسيا باستهداف ميناء أوديسا بصواريخ كروز من نوع كاليبر... وأوديسا هي أكبر مدينة وأهم ميناء على ساحل البحر الأسود، مما يمنحها أهمية بالغة لاستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية.... وللتذكير فإن غزو روسيا لأوكرانيا، أدى إلى ارتفاع حادّ في أسعار الحبوب والزيوت، لأن روسيا وأوكرانيا توفران معا 30 في المائة من صادرات القمح العالمية... وهذا الأمر أسفر عن معاناة كبيرة للعديد من دول العالم التي تعتمد بشدة على هذين البلدين في إمداداتها.
وقد يؤدي انخفاض قيمة اليورو، مع تسارع التضخم، إلى تشجيع البنك المركزي الأوروبي على رفع أسعار الفائدة بشكل أسرع، خاصة وأنه يستعد لرفعها في تموز/ يوليو، في سابقة منذ أحد عشر عاما. وأوضح وليام دو فيجلدر الخبير الاقتصادي في مصرف «بي إن بي باريبا «يمكن القول إنه لا ينبغي أن يرد البنك المركزي الأوروبي على ارتفاع أسعار السلع الأولية، ولكن التحدي المتمثل في استعادة السيطرة على التضخم يصبح أكبر لأن أسعار الواردات تزداد بسبب ارتفاع سعر الصرف».
وكان مصرف فرنسا المركزي اعتبر نهاية أيار/مايو أن ضعف اليورو قد يعرقل جهود البنك المركزي الأوروبي في السيطرة على التضخم.
المهم من هذا الكلام، أن تسجيل اليورو لأدنى مستوياته سيخلف تداعيات وانعكاسات على أصعدة عدة كالتضخم والقدرة الشرائية للعائلات والشركات والنمو والديون والبنك المركزي الأوروبي وهو ما ينذر بأشهر عجاف على أوروبا والفضاء المتوسطي وإفريقيا خاصة وأنه لا يعلم أحد متى ستتوقف الحرب في أوروبا ولا ما يمكن أن يقع في النظام الدولي في مرحلة دولية صعبة تتسم بالتوجس والغموض والمجهول واللا يقين.