زكية إبراهيم الحجي
حينما نجعل من الفكر لغة حية لا يخلو بناؤها الداخلي من مشاعر عقلانية يتسامى بفضلها الإنسان فوق نفسه, حينها نكون قد ارتقينا بالذات البشرية إلى أعلى درجات السمو بما فيها الأنا والغير.. وحين تقود سفينة حياتك بحكمة وعقلانية أيها الإنسان, فأنت تبذل جهداً كي تتحكم في اتزان قراراتك التي تتخذها لتأتي أفعالك بنتائج تسعدك, وتثير الحماس لديك, وهذا ما يعطي الإنسان قيمته كإنسان بالمعنى الحرفي وليس هذا فقط بل يُشكل مدلولاً يرمز للإنسانية التي باتت شبه مفقودة في عصرٍ طغت عليه الماديات وما تبع ذلك من حروب وصراعات لا تنتهي, وبات البشر أرخص ما يكونون أمام غياب شمس الضمير.. وبغياب الضمير تموت المبادئ, وتُدفن الأخلاق, والقيم الإنسانية النبيلة, وتبقى ظلمة المشاعر السلبية بين الأنا والآخر خلف الأنوار المصطنعة على الأرض.
أيها الإنسان.. ليست أحداث الحياة هي التي تُشكلنا بل ما تحمله لنا من مدلولات ومعانٍ.. وما ينعكس علينا من مشاعر وعواطف تنبع من الإنسان الذي بداخلنا.. وكثير منا لا يدرك حقيقته الداخلية وهذا ما نراه في زماننا اليوم زمن المظاهر الخداعة, والمصالح الشخصية, واتخاذ القرارات المبنية على المشاعر.. ولا جدال أن يتم قياس عبقرية وقوة تأثير شخصيات التاريخ بحجم إسهاماتها في مختلف المجالات لاسيما إذا كان ظهور الشخصية نقطة فارقة وهذا ما كان للفيلسوف اليوناني الشهير «سقراط» حيث نزل من برجه العاجي إلى عامة الناس وأطلق صيحته الشهيرة قائلاً: «أن تعرف نفسك جيداً فتلك هي بداية الحكمة.. فاعرف نفسك بنفسك أيها الإنسان».
أيها الإنسان.. روحك تتغذى من نبع القيم والمُثل الأخلاقية والإنسانية العالية.. تلك القيم التي هي بمثابة جوهر الكيان الإنساني تكتسبها من دينك وأسرتك.. والبيئة المحيطة بك ومن مجتمعك ونمط حياتك ومنظومة القيم تُمثل المجتمع الإنساني الذي تعيش فيه وتتشارك مع أفراده, وارتباط القيم الإنسانية بالفرد تجعلها تتأثر بذاتيته واهتماماته وميوله واختلاف الأفراد في آرائهم وتوجهاتهم وحكمهم على الأشياء يعود إلى القيم المتأثرة بذواتهم.
أيها الإنسان.. ثمة سؤال اعتدنا على طرحه وتكراره مرات ومرات ومع ذلك تبقى الإجابة عليه صعبة «من هو الأنا ومن هو الآخر» فإذا كانت الأنا تعني الذات النرجسية بكل ما تحمله هذه الصفة من معانٍ متعددة وما عدا ذلك فهو الآخر المرفوض فذلك الأمر يبدو صحيحاً من الجانب المنطقي والنظري, أما في الجانب الواقعي فإن الأنا والآخر جزء من تشكيلة لا يمكن الفصل بينهما إلا على مستوى بنية ونوع السلوك الإنساني النابع من ذات الإنسان الذي ميزه الله تعالى بالعقل, وهنا تكمن قيمة الإنسان كإنسان عندها يتسامى الإنسان فوق نفسه بل فوق الإنسانية نفسها وترتقي ذاته إلى أعلى درجات السمو بما فيها الأنا والآخر.